للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصَّلاحِ على الله عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّ هذا مُقْتَضَى الحِكْمَةِ، وأولئك الجَبْرِيَّةِ بالعَكْس، يقولون: إنَّ الله عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُق الشَّيْء بدون سَبَبٍ وبدون حِكْمَةٍ؛ لأنَّك لو أَثْبَتَّ السَّبَب والحِكْمَةَ لزم إيجاد المسبَّبِ أو الفِعل الذي يكون مسبَّبًا لهذا السَّبَب، وهذا يقتضي أن نوجب على الله عَزَّ وَجَلَّ فِعْل الشَّيْء، فما الجواب؟

نقول: إنَّ إثباتَ الحِكْمَةِ أو السَّبَبِ لا يَسْتَلْزِم أن نُوجِبَ على الله، ولكن مُقْتَضَى كَوْنِه حكيمًا أن يَفْعَل وأن يُوجِدَ المسبَّبَ عند وجودِ السَّبَب، ونحن لا نُوجِبُه، ولكن الذي أوجبه على نَفْسِه هو الله بمُقْتَضَى اسْمِه (الحكيم) ووَصْفِه بالحِكْمَة، وإيجابُ الله على نَفْسِه ليس بِمُمْتَنِع كما أن تَحْريمَه على نَفْسِه ليس بِمُمْتَنِع، وقد قال الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤]، وقال تعالى في الحديث القدسي: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي" (١).

فلِلَّهِ أن يُحَرِّمَ على نفسه وأن يوجِبَ على نفسه ما شاء، أمَّا نحن فلا، فإذا قيل مثلًا: هذا مَصْلَحَةٌ فإننا نقول: نعم، ونَلْتَزِم بهذا، ولكن هل نحن الذين أَوْجَبْناه على الله؟

الجواب: لا، بل الله هو الذي أَوْجَبَه على نفسه، وهذا لا ينافي كَمالَه، بل هو من مُقْتَضَى كَمالِهِ، إلا أنَّ المَحْذورَ هنا في هذا الباب أن نَظُنَّ أنَّ المَصْلَحَةَ في كذا، وحَقيقَةُ الأَمْرِ أنَّ المَصْلَحَة في عَدَمِه، هذا هو الذي يُخْشَى منه، وحينئذٍ نَعْتَقِدُ أنَّ هذا واجِبٌ على الله وهو لم يَجِبْ، نعتقد أنَّه واجبٌ على الله بمُقْتَضَى فَهْمِنا أنَّ هذا مَصْلَحَةٌ وخَيْر ثم نوجِبُه على الله، هذا هو المَحْذورُ.


(١) أخرجه مسلم: كتاب البر والصلة، باب تحريم الظلم (٢٥٧٧)، من حديث أبي ذر الغفاري - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>