للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أما من حيثُ المَنْقولُ {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: ١٧]، وفي الحديث القُدُسِيِّ: "أَعْدَدْتُ لِعِبادِيَ الصَّالحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ" (١).

وأنتم تُشاهِدونَ الآن أنَّه لو دعاكم رجلٌ فَقيرٌ وصنع لكم أعلى ما يُمْكِنُه من الطَّعام الذي هو أحسن شَيْء عنده، ودعاكم رجلٌ غَنِيٌّ وصنع لكم أَعْظَم ما يجد من الطَّعام عنده لَعَرَفْتم بالفَرْقِ؛ فالفرق العظيم بين هذا وهذا، مع أنَّ كُلَّ واحدٍ منهما أتى بِكُلِّ ما يَسْتَطِيعُ؛ كذلك الفَرْقُ بين نعيم الآخِرَة ونعيمِ الدُّنْيا.

فالذَّهَب إِذَنْ: يوافِقُ الذَّهَب في الدُّنْيا في الإسْمِ ولا يوافِقُه في الحَقيقَةِ؛ قال ابن عباسٍ - رضي الله عنهما -: "ليس في الآخِرَة مِمَّا في الدُّنْيا إلَّا الأَسْماء فقط" (٢)، أمَّا الحقائِقُ فتَخْتَلِفُ.

يقول رَحِمَهُ اللَّهُ: [(من ذهبٍ ولؤلؤٍ) مرَصَّعٍ بالذَّهَبِ] وَقَوْله: [مُرَصَّعٍ بالذَّهَب] قد يُعارَض المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ في ذلك، إذ قد يقال: إنَّ اللُّؤْلُؤَ حِلْيَة مُسْتَقِلَّة، ويدل لذلك قِراءَةُ النَّصْب: {وَلُؤْلُؤًا} يعني يُحَلَّوْن لؤلؤًا، أمَّا على قِراءَة الجَرِّ فما ذهب إليه المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ مُحْتَمَل غَيْرُ مُتَعَيَّن؛ فهو يرى رَحِمَهُ اللَّهُ أنَّ اللُّؤْلُؤ ليس مُسْتَقِلًّا بل هو مُرَصَّع بالذَّهَب كما يوجد في حُلِيِّ الدُّنْيا، ولكننا لا نُسَلِّم لما قال، فالظَّاهِرُ من الآيَة الكَريمَة أنَّ اللُّؤْلُؤ سِوارٌ مُسْتَقِلٌّ، ويُبَيِّنُ هذا قِراءَةُ النَّصْب {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا} يعني يُحَلَّوْن لؤلؤًا، فجَعَلَ حِلْيَةَ اللُّؤْلُؤِ حِلْيَةً مُسْتَقِلَّة.


(١) أخرجه البخاري: كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة، رقم (٣٢٤٤)، ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، رقم (٢٨٢٤)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (١/ ٤١٦)، وابن أبي حاتم في تفسيره (١/ ٦٦)، وأبو نعيم في صفة الجنة رقم (١٢٤).

<<  <   >  >>