للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذن: فالشُّكْر أَعَمُّ مُتَعَلَّقًا؛ لأنَّه يَتَعَلَّقُ بالقَلْبِ واللِّسانِ والجوارِحِ، والحَمْدُ لا يَتَعَلَّقُ بالقَلْبِ، وربَّما يَتَعَلَّقُ بالقَلْبِ لَكِنَّه لا يسمى حَمْدًا، يعني من أَضْمَرَ في نَفْسِهِ الثَّناءَ على الله عَزَّ وَجَلَّ لا يقال حَمِدَ الله؛ إذ إنَّه لم يُظْهِرْ وربَّما يتعَدَّى، وربَّما يقول قائِلٌ: إنَّه يكون بالقَلْبِ، لَكِنَّه ليس بظاهِرٍ.

{الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} الكائِنَ في النُّفُوسِ وهو الغَمُّ بما مضى والخَوْفُ الهَمُّ لما يُسْتَقْبَل، فهنا هل نقول إنَّ الحَزَنَ يَشْمَل الغَمَّ مِمَّا مضى والهَمَّ مِمَّا يُسْتَقْبَل؟

نعم، فكذلك في الجَنَّة جَميعُ ما مضى عليهم من الأَحْزانِ والهُمُومِ وغيرِها يَنْسَوْنَها كما جاء في الحديث الصَّحِيحِ أنَّ الإِنْسَان يُغْمَسُ في الجَنَّةِ؛ يُصْبَغُ صَبْغَةً واحِدَةً يُغْمَسُ فيها، فيقال له: هل رَأَيْتَ شَرًّا قط فيقول: لا (١)، فكلُّ ما مضى: من الشُّرورِ والأَحْزانِ والهُمُومِ كُلِّها.

وَقَوْله تعالى: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [جَميعَه] يُشيرُ إلى أن (أل) هنا لاسْتِغراقِ العُمومِ، و (أل) تكون لاسْتِغراقِ العُمومِ إذا صَحَّ أن يَحُلَّ مَحَلَّها كلٌّ؛ فهي للإسْتِغْراقِ، كقَوْله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: ٢]، وَقَوْله تعالى: {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [النساء: ٢٨]، أمَّا قَوْله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: ٣٤] فليَسَتْ للإسْتِغْراقِ، فما كُلُّ رَجُلٍ قَوَّامٌ، فأحيانًا تكون المَرْأَةُ قَوَّامَةً على الرَّجُل! ! فهذه لبيان الحَقيقَةِ فقط، الحَقيقَة فقط.

أفادنا المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْله: [جميعَه] أن (أل) هنا للإسْتِغْراقِ.

وَقَوْله رَحِمَهُ اللَّهُ: [{إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُور} للذُّنُوبِ {شَكُورٌ} للطَّاعَة]؛ هذه الجُمْلَة


(١) أخرجه مسلم: كتاب صفة القيامة، باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، رقم (٢٨٠٧)، من حديث أنس - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>