يَسْمَعُوه ولا أن يَرَوْا نوحًا وهو يُلْقيه عَلَيْهم؛ ثم أَصَرُّوا؛ يعني: بَقُوا على ما هم عليه واسْتَمَرُّوا فيه واسْتَكْبَروا اسْتِكبارًا - يعني استكبارًا عَظيمًا - عن قَوْل الحَقِّ، هذا أوَّلُ الرُّسُلِ.
فهؤلاء الذين تَبْلُغُ بهم هذه الحالُ بَعْدَ أن عُمِّروا ما يتذَكَّر فيه من تذَكَّر وجاءتهم الرُّسُل: هل يرجى منهم لو خَرَجوا من النَّارِ أن يعودوا إلى الحَقِّ؟ أبدًا؛ لأنَّ الأَمْرَ واحِدٌ.
لكن قد يقول قائِلٌ: إنَّه ليس الخَبَرُ كالمعايَنَةِ؛ فالنَّارُ التي تُوُعِّدَ بها أَدْرَكُوها عن طريقِ الخَبَرِ قبل أن يكونوا فيها، أمَّا لمَّا كانوا فيها فقد عَرَفوها عن طريق الحِسِّ والمُشاهَدَةِ؟
فالجواب: أنَّ خَبَرَ الرُّسُلِ المؤيَّدَةِ بالآياتِ الدالَّة على رِسالَتِهِم يُفيدُ العِلْم اليَقِينِيَّ؛ لأنَّ الرُّسُلَ ما جاءت تدعو النَّاسَ وتُنْذِرُهم وتُبَشِّرُهم إلا بآياتٍ يؤمِنُ على مِثْلِها البَشَرُ، وهؤلاء - والعياذ بالله - طَبيعَتُهُم التَّكذيب والإنكارُ، فلن يُؤْمنوا ولو خَرَجوا.
قال الله تعالى:{أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} النَّذيرُ، يقول المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ:[الرَّسُول] والمُرَاد به الجِنْس؛ لأنَّ كُلَّ رسولٍ قد أنذر قومه وحَذَّرَهم من مَعْصِيَة الله، وبَشَّرَهم ورَغَّبَهم في طاعة الله، ولَكِنَّهم، والعياذ بالله، أصَرُّوا واسْتَكْبَروا فقد قامت عليهم الحُجَّة.