و (لمَّا) تأتي في اللُّغَة العَرَبِيَّة على أَوْجُه:
أَحَدها - كما هنا -: شَرْطِيَّة.
والثاني: أن تأتي جازِمَةً كـ (لَمْ) إلا أنَّه بينهما فروقًا ليس هذا مَوْضِعَ ذِكْرِها؛ لأنَّنا لا نَتَكَلَّمُ عن النَّحْو؛ كقَوْله تعالى:{بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ}[ص: ٨] أي: بل لم يذوقوا عذابي، ولَكِنَّهم حَرِيُّونَ بأن يَذوقوه.
والثالث: أن تكون بمَعْنى (إلَّا) كقَوْله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}[الطارق: ٤] أي: إلا عليها حافظ.
والرابع: أن تكون بمَعْنَى (حين) مُجَرَّدَةً عن الشَّرْطِ؛ مثل أن تقول: زُرْتُكَ لمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ؛ أي: حين طَلَعَ الصُّبْحُ.
فهذه أربعة معانٍ لـ (لمَّا).
وَقَوْله تعالى:{مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا}: {مَا زَادَهُمْ} قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللَّهُ: [مَجيئُه] يعني أنَّهم جاءَهُم نذيرٌ كما فرضوا ولَكِنَّهم ما كانوا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يَزِدْهُم إلا نفورًا عن الحَقِّ وبُعْدًا عن اتّباعِهِ؛ قال:[تَباعدًا عن الهُدى] والعياذُ بالله.
وهذا أمرٌ مُشاهَد؛ فإنَّ قريشًا لما بُعِثَ فيهم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - نَفروا منه وآذَوْه بالقَوْلِ وبالفِعْلِ، ووَصَموه بِكُلِّ عَيْبٍ، وكانوا قبل أن يُبْعَثَ يُجِلُّونَه ويَحْتَرِمونَه ويُسَمُّونَه (الأَمينَ) فلما بُعِثَ لم يكن أمينًا وكأنَّه رَجُلٌ غَيْرُ الرَّجُلِ الذي كانوا يَعْرِفونه! ! كُلُّ هذا يُكَذِّبُ قَوْلَهم: {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}[فاطر: ٤٢].