للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}.

وقد تقترن اللَّام بـ (ما) لَكِنَّها قليلةٌ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

وَلَو نُعْطَى الْخِيَارَ لمَا افْتَرَقْنَا (١) ... ...........................

والأَكْثَرُ (ما افْتَرَقْنا).

يقول الله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ}.

قَوْله تعالى: {يُؤَاخِذُ} أي يعاقِبُ، والمؤاخَذَةُ بالذَّنْبِ العُقوبَةُ عليه.

وَقَوْله تعالى: {النَّاسَ} عامٌّ يَشْمَلُ الكُفَّارَ ويَشْمَلُ العُصاةَ من المُؤْمِنين.

وَقَوْله تعالى: {بِمَا كَسَبُوا}: (ما) يجوز أن تكون مَصْدَرِيَّةً؛ أي بِكَسْبِهم، ويجوز أن تكون مَوْصولةً، فإذا كانت مَوْصولَةً فلا بُدَّ من تَقْدير العائِدِ، وتَقْديره: بما كَسَبوهُ.

وَقَوْله تعالى: {بِمَا كَسَبُوا} أي: بما اكْتَسَبوا من المعاصي، وسَمَّى الله تعالى المعاصيَ كَسْبًا؛ لأنَّ العامِلَ ينالُ جَزاءَها، فكأنَّه كَسَبَ هذا الجزاء، مع أنَّه كَسْبٌ خاسِرٌ؛ ولهذا إذا اقْتَرَنَ مع العَمَلِ الصَّالِحِ أتى بغير هذا اللَّفْظِ؛ قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: ٢٨٦] ففرَّقَ بينهما.

أما إذا أُفْرِد أحدهما عن الآخَرِ فيصِحُّ الكَسْبُ في الخَيْراتِ وفي السَّيِّئاتِ.


(١) صدر بيت وعجزه: ولكن لا خيار مع الليالي. غير منسوب، وانظره في: مغني اللبيب (ص ٣٥٨)، وشرح التصريح (٢/ ٤٢٤)، وهمع الهوامع (٢/ ٥٧٢)، وخزانة الأدب (١٠/ ٨٢).

<<  <   >  >>