للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْفَائِدَةُ الْعَاشِرَةُ: إِثْباتُ نِعْمَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ على العبادِ بإِرْسالِ الرُّسُلِ؛ لِقَوْله تعالى: {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ} وإِرْسالُ الرُّسُلِ من أكْبَرِ النِّعَمِ؛ لأنَّنا لا نَسْتَطيعُ أن نَعْرِف كيف نَعْبُدُ الله إلا عن طريق الرُّسُلِ، فالإِنْسَانُ يَعْرِف مثلًا بِفِطْرَتِه أنَّ الله تعالى موجودٌ، وأنَّ له ربًّا خالِقًا مدبِّرًا، لكن لا يَعْرِف كيف يَصِلُ إلى هذا الرَّبِّ إلا من طريق الرُّسُلِ.

الْفَائِدَةُ الحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إِثْباتُ حِكْمَةِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ حيث جعل للرُّسُل من يُكَذِّبُهم؛ لأنَّه لولا تَكْذيبُهُم ما حصل الإمْتِحانُ، فهذه من الحِكَم العَظيمَة؛ أن يَجْعَل الله للرُّسُلِ من يُكَذِّبُهم، فلولا تَكْذيبُهُم لم يَحْصُلِ الإمتحان؛ إذ لو كان النَّاسُ كُلُّهُم على الطَّاعَة ما تَميَّز الخَبيثُ من الطَّيِّب ولا تَبَيَّن المُؤْمِنُ من الكافِرِ، ولا قامَتِ سوقُ الجهادِ، ولا الأَمْرُ بالمعروفِ، ولا النَّهْيُ عن المُنْكَر؛ ولهذا قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} [التغابن: ٢]، وقال تعالى: {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [مُحَمَّد: ٤].

فهذه من الحِكْمَة في وجودِ المُكَذِّبين للرُّسُلِ، وهناك حِكَمٌ كثيرة؛ منها أيضًا: أنَّه لا يَتَبَيَّنُ الحَقُّ حتى يُعْرَفَ الباطِلُ كما قيل (١):

.................... ... وَبِضِدِّهَا تَتَبَيَّنُ الأَشْيَاءُ

فلولا الباطِلُ الذي يُنازِعُ الحَقَّ ما عَرَفوا الحَقَّ، ولكان الكُلُّ سواءً، ولا نَعْرِفُ حقًّا من باطِلٍ.

* * *


(١) انظر: ديوان المتنبي (ص ١٢٧).

<<  <   >  >>