للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأَوَّلُ: أنَّها مُتَقَدِّمَة عن الآخِرَة، فهي أَدْنى إلى النَّاسِ مِنَ الآخِرَة؛ ولهذا تُسَمَّى الحالَ الأُولى.

الثاني: وسُمِّيَتْ دنيا أيضًا من دُنُوِّ مَرْتَبَتِها.

فهي دانيةٌ بمَعْنى قَريبةٍ؛ لأنَّها هي الأُولى، وهي دانيةٌ بمَعْنى دُنُوِّ المَرْتَبَة؛ لأنَّ ما فيها من النَّعيمِ - إنْ قُدِّرَ - فإنَّه مُنَغَّصٌ تَنْغِيصًا مُسْتَقْبَلًا أو تَنْغِيصًا حاضِرًا؛ تَنْغيصًا حاضِرًا؛ لأنَّ نَفْسَ النَّعيمِ الذي تُنَعَّمُ به في الدُّنْيا لا بُدَّ أن يُشابَ بِكَدَرٍ؛ كما قال الشاعر:

فَيَوْمٌ عَلَيْنَا وَيَوْمٌ لنَا ... وَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَّرْ (١)

وهذا لو تَأَمَّلْتَه لوَجَدْتَه كذلك، كلَّ يومٍ في أُسْبوعٍ ناظِرْ نَفْسَكَ؛ يومٌ تكونُ فَرِحًا مسرورًا، وَيوْمٌ تَغْتَمُّ، ويوم تأتيكَ أَشْياءُ خارِجِيَّة تُفْرِحُك، ويوم آخَرُ بالعَكْس، ثم لو قُدِّرَ أنَّ صَفْوَها خلا من ذلك؛ يعني: لم يُشَبْ بأذًى، فإنَّ المُسْتَقْبَل يُنَغِّصُ عليك هذا الصَّفاءَ؛ كما قال الشاعر:

لَا طِيبَ لِلْعَيْشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً ... لَذَّاتُهُ بِادِّكَارِ المَوْتِ وَالهَرَمِ (٢)

فلا بُدَّ من أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا مَوْتٌ عاجِلٌ، وإمَّا هَرَمٌ مُذْهِبٌ.

فالإِنْسَانُ إذا قُدِّرَ أنَّ الله تعالى مَدَّ له في العُمُر فإنَّه يَرْجِعُ إلى حاله الأولى؛ كما قال تعالى: {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل: ٧٠] يَرْجِع إلى حاله الأولى يَسْقُط


(١) البيت للنمر بن تولب، انظر: الكتاب لسيبويه (١/ ٨٦)، وشرح الكافية الشافية لابن مالك (١/ ٣٤٦).
(٢) غير منسوب، وانظره في: أوضح المسالك (١/ ٢٣٩)، شرح ابن عقيل (١/ ٢٧٤)، همع الهوامع (١/ ٤٢٨).

<<  <   >  >>