للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لأنَّه كما قال الله عنه: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: ٢٦٨] فهو لا يأمُرُ إلا بالفَحْشاءِ والسُّوءِ ومَعْصِيَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ، فإذا أَحْسَسْتَ من نَفْسِك أنَّكَ تَهْوَى المَعْصِيَة فاعْلَمْ أنَّ هذا من إملاءِ الشَّيْطانِ، فيَجِبُ عليك أن تَنْفِرَ من هذا؛ لأنَّ هذا صادِرٌ من عَدُوٍّ لك، لا يريدُ إلا إِضْرارَكَ وخِذْلانَك؛ ولهذا قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ}.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} بطاعَةِ الله، ولا تُطيعوه] يعني: أطيعوا اللهَ ولا تُطيعوا الشَّيْطانَ، وأنتم إذا أَطَعْتُم الله فإنَّ هذا أَعْظَمُ سلاحٍ يَغيظُ هذا الشَّيْطانَ، فإذا أَطَعْتَ الله عَزَّ وَجَلَّ فإنَّك بذلك تَغيظُ الشَّيْطانَ وتَدْحَرُه وتُذِلُّه كما أنَّك تُذِلُّ أولياءه أيضًا وتَغيظُهُم، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} [الفتح: ٢٩] إلى أن قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّار} [الفتح: ٢٩]، فهؤلاء القَوْمُ بِصِفَتِهِمُ المذكورةِ يَغيظونَ الكُفَّار، والكُفَّارُ أَوْلِياءُ الشَّيْطانِ، فإذا كانوا يَغيظونَ الكُفَّارَ فإنَّهم يَغيظونَ الشَّيْطانَ أيضًا، فأَعْظَمُ شَيْءٍ لإغاظَةِ الشَّيْطانِ هو أن تقومَ بطاعَةِ الله عَزَّ وَجَلَّ.

يُرْوَى أنَّ الشَّيْطانَ يقول عن بني آدم: "أَهْلَكْتُهُمْ بالذُّنُوبِ، وَأَهْلَكُونِي بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ والإسْتِغْفَارِ" (١)، فالتَّوْحيدُ وسُؤالُ المَغْفِرَة لا شكَّ أنَّه يَغيظُ الكُفَّارَ.

قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ} أتباعَهُ في الكُفْرِ {لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} النَّارِ الشَّديدَةِ].

{إِنَّمَا} أداة حَصْرٍ تفيدُ إثباتَ الحُكْمِ في المذكورِ ونَفْيَه عمَّا سواه؛ يعني: ما


(١) أخرجه ابن أبي عاصم في السنة رقم (٧)، وأبو يعلى في المسند رقم (١٣٦)، والطبراني في الدعاء رقم (١٧٨٠)، من حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>