عليه لكماله، وأمَّا كونُها للإختصاصِ فلأنَّ (أل) في (الحَمْد) هنا للإسْتِغْراقِ؛ أي: كلُّ حَمْدٍ فهو لله، ثابتٌ له، ومَعْلومٌ أنَّه لا أحَدَ يَخْتَصُّ بهذا الوَصْفِ العامِّ الشَّامِلِ إلا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ؛ لأنَّ من يُحْمَد سوى اللهِ لا يُحْمَد إلا على أشياءَ جُزْئِيَّةٍ غَيْرِ شامِلَةٍ، لكنَّ الذي يُحْمَدُ على كلِّ شَيْءٍ هو الله، وبهذا عَرَفْنا أنَّ اللَّام للإسْتِحْقاقِ والإخْتِصاصِ أيضًا.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ الله: [{الْحَمْدُ لِلَّهِ} حَمِدَ الله تعالى نَفْسَه بذلك كما بيَّن في أوَّلِ سورَةِ (سبأ)].
ففي أوَّلِ (سبأ) قال: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ}[سبأ: ١]، لكنْ هناك حَمِدَ نَفْسَه لعُمومِ مُلْكِه الذي له ما في السَّمَواتِ والأَرْض، وهنا حَمِدَ نَفْسَه لابتداءِ خَلْقِه.
قال المُفَسِّر رَحِمَهُ اللهُ: [{فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}: خالِقِهِما على غَيْرِ مثالٍ سَبَقَ].
وَقَوْله تعالى:{جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا} لهم عُقُولٌ أخصُّ من عُقولِ البَشَرِ؛ لأنَّ عُقولَ البَشَرِ قد تستولي علمِها الشَّهْوَةُ فيُضَيِّعُ الإِنْسَانُ عَقْلَه. قَوْله تعالى:{رُسُلًا} جَمْع (رسولٍ) يقول: [إلى الأَنْبِياءِ]، والأَصَحُّ إلى الأنبياءِ وغَيْرِهم؛ يقولُ الله تعالى:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ}[الأنعام: ٦١] رُسُلُ اللهِ تعالى إلى هذا المُحْتَضَر لِيَقْبِضوا رُوحَه، فهم رُسُلٌ إلى الأنبياءِ وإلى غَيْرِهم؛ فتَخْصيصُ الآيَةِ بالأَنْبِياءِ يُعْتبَرُ قُصورًا في التَّفْسيرِ.
قَوْله تعالى:{أُولِي أَجْنِحَةٍ}: {أُولِي} بمَعْنى أَصْحاب؛ يعني أنَّ المَلائِكَة لهم أَجْنِحَة، وهو جَمْع (جَناحٍ)، هذا الجَناحُ يَطيرونَ به بِسُرْعةٍ فائِقَة أَسْرَع من الجِنِّ؛