للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= الرفيعة؛ فذلك كلُّه غيرُ مقصودٍ من العلم شرعًا، كما أنه غيرُ مقصود من العبادة والانقطاع إلى اللَّه تعالى وإن كان صاحبه يناله.
وأيضًا فإن في العلم بالأشياء لذةً لا توازيها لذةٌ، إذ هو نوعٌ من الاستيلاء على المعلوم والحَوْزِ له، ومحبةُ الاستيلاء قد جُبلت عليها النفوس، ومُيِّلت إليها القلوب، وهو مطلبٌ خاص، برهانه التجربة التامةُ والاستقراءُ العام؛ فقد يُطلبُ العلم للتفكُّهِ به والتلذُّذِ بمحادثته، ولا سيَّما العلوم التي للعقول فيها مجال، وللنظر في أطرافها متَّسعٌ، ولاستنباط المجهول من المعلوم فيها طريقٌ متَّبَع.
ولكنْ كلُّ تابع من هذه التوابع إمَّا أن يكون خادمًا للقصد الأصلي، أو لا:
١ - فإن كان خادمًا له فالقصدُ إليه ابتداءً صحيح، وقد قال تعالى في مَعرِض المدح: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (٧٤)﴾ [الفرقان]. وجاء عن بعض السلف الصالح: «اللهم اجعلني للمتقين إمامًا»، وقال عمرُ لابنه حين وقع في نفسه أن الشجرة التي هي مَثَلُ المؤمن النخلةُ: «لَأَن تكونَ قلتَها أحبُّ إليَّ من كذا وكذا». وفي القرآن عن إبراهيم : ﴿وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (٨٤)﴾ [الشعراء]، فكذلك إذا طَلبه لما فيه من الثواب الجزيل في الآخرة، وأشباه ذلك.
٢ - وإن كان غيرَ خادم له؛ فالقصدُ إليه ابتداءً غير صحيح؛ كتعلُّمِه رياءً، أو ليُماريَ به السفهاء، أو يُباهيَ به العلماء، أو يستميلَ به قلوب العباد، أو لينال من دنياهم … وما أشبه ذلك؛ فإن مِثلَ هذا إذا لاح له شيءٌ مما طَلَب زهِدَ في التعلُّم، ورغبَ عن التقدُّم، وصعُب عليه إحكامُ ما ابتدأ فيه، وأَنِفَ من الاعتراف بالتقصير؛ فرضي بحاكمِ عقله، وقاس بجهله، فصار ممن سُئل فأفتى بغير علم، فضلَّ وأضلَّ أعاذنا اللَّه من ذلك بفضله. وفي الحديث: «لا تَعَلَّموا العِلمَ لتُباهُوا به العلماء، ولا لتُماروا به السفهاء، ولا لتحتازوا به المجالس؛ فمن فَعل ذلك فالنارَ النار» [صحيح]، وقال: «من تعلَّم علمًا مما يُبتغى به وجهُ اللَّه؛ لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عَرَضًا من الدنيا؛ لم يَجِدْ عَرْفَ الجنة يوم القيامة» [صحيح]، وفي بعض الحديث: سُئل عن الشهوة الخفية؛ فقال: «هو الرجل يتعلمُ العلمَ يريد أن يُجلس إليه» [ضعيف]؛ وفي القرآن العظيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ﴾ [البقرة: ١٧٤]، والأدلة في المعنى كثيرة» انتهى. انظر: «الموافقات» للإمام الشاطبي (١/ ٧٣: ٨٨ بتحقيق الشيخ مشهور حسن آل سلمان). وسوف يأتي تصريح الإمام الشوكاني بأن الغاية من العلم إنما هي طلبُ الآخرة.

<<  <   >  >>