فالعلماء إنما اختلفوا فيمن يقرأ ابتغاءَ وجهِ اللَّه تعالى، ورغبةً في نفع الميت: هل يجوز له أخذ المال أم لا، وليس فيمن جعل من القرآن وسيلةً للتكسب؛ فانتبه. قلت أبو شعيب: والذي ينبغي أن يُقطَعَ به عدمُ جواز الأخذ؛ لأن القُربةَ التي يَتقرَّبُ بها العبد للَّهِ تعالى لا يجوز أخذُ أجرٍ عليها من الخلق؛ ومما يؤكد هذا ما صحَّ عنه ﷺ أنه قال: «اقرؤُوا القرآنَ، ولا تَغْلُوا فيه، ولا تَجْفُوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به»، وهو حديث صحيح: رواه أحمد (٣/ ٤٢٨)، وأبو يعلى (١٥١٨)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (٢/ ٤٠٠)، وصحَّحه الشيخ شعيب الأرنؤوط، والشيخ الألباني في «الصحيحة» (٢٦٠)؛ وهو صريحٌ في تحريم الأكل بالقرآن. وثبت عنه ﷺ أيضًا أنه قال: «اقرؤوا القرآن، وابتغوا به اللَّهَ ﷿؛ مِنْ قبلِ أن يأتيَ قومٌ يُقيمونه إقامةَ القِدْح [أي: يقرؤون ألفاظه بإتقانٍ شديد]؛ يتعجَّلونه، ولا يتأجَّلونه»، وهو صحيح: رواه أحمد (٣/ ٣٥٧)، وأبو داود (٨٣٠)، وصحَّحه الشيخ الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط. والمقصود: أنهم يتعجَّلون ثوابَه وأجْرَه في الدنيا بطلبِ الثناءِ وأخذِ المال منَ العباد عليه. ٢ - وأما أخذُ الأجر على «تعليم» القرآن فهو جائزٌ على الراجح من قولي العلماء؛ لِما ثبت عنه ﷺ أنه قال: «إن أحقَّ ما أخذتُم عليه أجرًا كتابُ اللَّه»، صحيح: رواه البخاري (٥٧٣٧)، وابن حِبَّان (٥١٤٦). ولولا ثبوتُ هذا في السُّنة المطهرة، لكان الحديثانِ السالفان قريبًا قاضيَينِ بتحريم أخذ المال على القراءة والتعليم جميعًا؛ لكنْ بان من الأدلةِ باجتماعِها تفريقُ الشرع المطهَّر بين «قراءة القرآن» و «تعليمه»، واللَّهُ تعالى أعلى وأعلم. وانظر: «الأحكام الفقهية الخاصة بالقرآن»، للدكتور أحمد سالم ملحم (٣٨٦: ٣٩٨ ط: دار النفائس). بقيت مسألةٌ، وهي أنه قد يقول قائل: ما دام الراجحُ هو جوازُ أخذِ الأجر على «تعليم» =