للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يقومُ شيطانٌ من شياطين المقلِّدة ومخذولٌ من مخذولي المشتغلين بالرأي، فيُجادلُ عن هذه الوصايا والنذور الهبات ونحوِها، ويُنزِّلُها منزلةَ الوصايا والنذور والهبات الشرعية، ويورد ما قاله مَنْ يقلِّدُه ممن يستعظمُ الناسُ كلامَه ويقتدون بمذهبه، ويَحكي لهم ما صرَّح به في هذه الأبواب ونحوها من مصنَّفاته غيرَ متعقِّلٍ الفرقَ بين هذه الطواغيت وبين تلك الأمور الشرعية، ولا فاهمٍ للمُغايرة الكلية، ولا متأمِّلٍ للأسباب التي تصدرُ عنها تلك الأمور، وأنَّ أهل العلم بأسرهم إنما تكلَّموا في مصنَّفاتِهم على الأمور الشرعية لا الأمور الجاهلية، وأن مجردَ الاسم لا يحلِّلُ الحرام، ولا يحرِّمُ الحلال؛ كما لو سُمِّيتِ الخمرُ ماءً أو الماءُ خَمرًا؛ فإنه لو كان الحكمُ يدور على التسمية، لكان الخمرُ المسمى ماءً حلالًا، وكان الماءُ المسمى خَمرًا حرامًا! وهذا خرقٌ للشرع، وهتكٌ للدين.

ومن اغترَّ به فليس من النوع الإنساني؛ بل من النوع البهيمي؛ ولا ينبغي الكلامُ معه، بل يقال له: هذا الذي فيه النزاعُ ليس هو ما تكلَّمَ عليه من تقلِّدُه وتقتدي به؛ بل هو شيءٌ آخر يضادُّه ويخالفُه؛ لأن أهل الشرع إنما يتكلمون على الأمور الشرعية، وهذا ليس شرعيًّا، بل طاغوتيًّا. فإن فهم هذا استراح منه، وإن لم يفهمه ففي السكوتِ راحةٌ مِنْ تحمُّلِ كَرْبِ مخاطبةِ السفهاء.

ولقد وقعنا مع جماعةٍ من مقصِّري القضاةِ والمُفتِين في هذه المسألة في أمورٍ عظيمة، وخطوبٍ جسيمة، وفِتنٍ كبيرة، لا يتسعُ المقام لبسطها، والحقُّ منصور، والباطلُ مخذول، وللَّهِ الحمد.

وأعظمُ ما يتمسَّكون به منَ التغرير على العوامِّ، والتزويرِ على الملوك ومَن يقدر على القيام بنصرهم: استكثارُهم من قولهم: «هذا خالَف المذهب، فعل

<<  <   >  >>