للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجهُه (١)، وتغيرت أخلاقُه سواءٌ عليه اعترض بحقٍّ أو بباطل؛ فإنه لا يقبلُ سَمعُه في هذا كلامًا، ولا يسمع من نَصيح ملامًا! ومع هذا فهو بمحلٍّ من الإنصاف، ومكانٍ من العرفان، قد تحصَّلت له علومُ الاجتهاد تحصُّلًا قويًّا، ونظر في الأدلة نظرًا مشبعًا.

وكان صدورُ مثلِ هذا منه يحمِلُني في سنِّ الحداثةِ وشرْخِ الشباب على تحرير مباحثَ أنقُضُ بها رسائلَ ومسائلَ من كلام قريبه، قاصدًا بذلك إيقاظَه، وردَّه إلى الصواب، وكنتُ إذا أردتُ إغضابه، أو الانتصافَ منه، ذكرت بحثًا من تلك الأبحاث، أو مسألةً من تلك المسائل التي اعترضتُها.

وبِهذا السبب تجدُ مَنْ كان له سلفٌ على مذهبٍ من المذاهب، كان على مذهبه (٢)، سواءٌ كان ذلك المذهبُ من مذاهب الحق أو الباطل.

ثم تجدُ غالبَ العَلَويةِ شيعةً، وغالبَ الأُموية عثمانيةً، وكان تعظيمُ عثمان في الدولة الأموية عظيمًا، وأهلُ تلك الدولة مشغولون بحفظ مناقبه ونشرها، وتعريفِ الناس إياها، وكانوا إذ ذاك يَثلِبون مَنْ كانت بينه وبينه عداوةٌ أو منافسة. ثم لمَّا جاءت الدولةُ العباسية عَقِبَها، كان العباسُ عند أهلها أعظمَ الصحابة قدْرًا وأجلَّهم وكذلك ابنُه عبد اللَّه، وتوصَّلت خلفاءُ بني العباس بكثيرٍ من شعراء تلك الدولةِ إلى تفضيل العباس على عليٍّ، ثم تفضيلِ أولاد العباس على أولاد عليٍّ، وكان الناسُ في أيامهم هم عندهم أهلَ البيت، ويُطبِّقون ما ورد من فضائل الآل عليهم، وأولادُ عليٍّ إذ ذاك إنما هم عندهم خوارج؛ لقيامهم عليهم، ومنازعتهم لهم في المُلك.


(١) تربَّد: تغيَّر.
(٢) أي: سار على مذهب سلفِه.

<<  <   >  >>