للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَنْ يُساويهِ أو يُدانيه! ثم قَبِلت عقولُهم هذا الاعتقادَ الباطل، وزاد بزيادةِ الأيام والليالي، حتى بلغ إلى حدٍّ يَتسبَّبُ عنه أن جميعَ أقوالِه صحيحةٌ جاريةٌ على وِفقِ الشريعة ليس فيها خطأٌ ولا ضَعف! وأنه أعلمُ الناس بالأدلة الواردة في الكتاب والسُّنة على وجهٍ لا يفوت عليه منها شيءٌ، ولا تخفى منها خافية، فإذا أُسمعوا دليلًا في كتاب اللَّهِ أو سُنةِ رسولِه ، قالوا: «لو كان هذا راجحًا على ما ذهب إليه إمامُنا، لذهب إليه ولم يتركه؛ لكنه تركه لِما هو أرجَحُ منه عنده»؛ فلا يرفعون لذلك [الدليلِ] رأسًا، ولا يَرونَ بمخالفته بأسًا! وهذا صنيعٌ قد اشتُهر عنهم، وكاد أن يَعُمَّهم قَرنًا بعد قرن، وعصرًا بعد عصر، على اختلافِ المذاهب وتبايُنِ النِّحَل.

فإذا قال لهم القائل: «اعمَلوا بِهذه الآية القرآنية، أو بِهذا الحديث الصحيح». قالوا: «لستَ أعلمَ من إمامنا حتى نتَّبِعَك، ولو كان هذا كما تقول، لم يُخالِفْه من قلَّدْناه، فهو لم يخالِفْه إلَّا إلى ما هو أرجحُ منه».

وقد ينضمُّ إلى هذا مِنْ بعض أهل الجهل والسَّفهِ والوقاحة: وصفُ ذلك الدليل الذي جاء به المخاطِبُ لهم بالبطلان والكذب إن كان من السُّنة (١)، ولو تمكَّنوا مِنْ تكذيبِ ما في الكتاب العزيز إذا خالف ما قد


(١) وكذلك يفعل أهل الهوى والضلال في رد النصوص الشرعية التي تُبطل مذاهبهم؛ فإن لهم في هذا طريقين رئيسَين:
الطريق الأول: ردُّ تلك الأخبار بالكلية، والتكذيبُ بها. وهذا يكونُ مع سُنةِ رسول اللَّه التي تخالفُ ما هم عليه من باطل، ولو كانت في «الصحيحين».
الطريق الثاني: تحريفُ دلالات النصوص التي لا يستطيعون ردَّها كالقرآن الكريم؛ فإنهم لمَّا علِموا أنه لا سبيل إلى التلاعب بألفاظِ القرآن الذي هو محفوظٌ بحفظِ اللَّهِ ﷿؛ رأيناهم سلَّطوا سمومهم على دلالاتِ ومعاني تلك الألفاظ، فحرَّفوا الكلِم عن مواضعه، وأخرجوا النصوصَ عن معانيها التي أرادها اللَّهُ ، وقد يفعلون الأمرَ ذاتَه مع الأحاديث النبوية التي تلقَّتها عقولُهم بالقبول!.

<<  <   >  >>