للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلَّدوا فيه لفعلوا!.

وأمَّا في ديارنا هذه، فقد لَقَّنهم مَنْ هو مثلُهم في القصور والبُعدِ عن معرفة الحق: ذريعةً إبليسية، ولطيفةً مشؤومة، هي: أن دواوين الإسلام الصحيحين، والسنن الأربع، وما يلتحق بها من المسنَدات والمجاميع المشتملة على السنة إنما يَشتغلُ بها، ويكرِّرُ درسَها، ويأخذُ منها ما تدعو حاجتُه إليه: مَنْ لم يكن من أتباع أهل البيت؛ لأن المؤلِّفين لها لم يكونوا من الشِّيعة!! فيدفعون بِهذه الذَّريعةِ الملعونةِ جميعَ السُّنةِ المطهَّرة؛ لأن السُّنةَ الواردةَ عن رسولِ اللَّه هي ما في تلك المصنَّفات ولا سُنةَ غيرُ ما فيها، وهؤلاء وإن كانوا يُعَدُّون من أهل العلم لا يستحقون أن يُذكروا مع أهله، ولا ينبغي الشُّغْلُ بنشر جَهلهم وتدوينِ غَباوتِهم؛ لكنهم لما كانوا قد تلبَّسوا بلِباس أهلِ العلم، وحَمَلوا دفاترَه، وقَعَدوا في المساجد والمدارس، اعتقدتْهم العامةُ من أهل العلم، وقبِلوا ما يُلقِّنونَهم من هذه الفواقر (١)، فضلُّوا وأَضلُّوا، وعظُمت بهم الفتنة، وحَلَّت بسببهم الرزيَّة (٢)، فشاركوا سائرَ المقلِّدةِ في ذلك الاعتقادِ في أئمَّتهم الذين قد قلَّدوهم، واختُصُّوا من بينهم بِهذه الخَصلةِ الشَّنيعةِ والمَقالةِ الفظيعة؛ فإن أهل التقليدِ مِنْ سائر المذاهب يُعظِّمون كُتُبَ السُّنة، ويعترفون بشرفِها، وأنها أقوالُ رسول اللَّه وأفعالُه، وأنها هي دواوينُ الإسلام، وأُمَّهاتُ الحديث وجوامعُه التي عَوَّل (٣) عليها أهلُ العلم في سابق الدهر ولاحِقِه، بخلافِ أولئك؛ فإنها عندهم بالمنزلة


(١) الفواقر: الدواهي.
(٢) الرزيَّة: البلية.
(٣) عوَّل: اعتمد.

<<  <   >  >>