للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الفقه من أهل المذاهب المأخوذ بقولهم المرجوع إلى تقليدهم وسيبويهِ في مسألةٍ نحْوية، لم يشكَّ أحدٌ أن سيبويه هو أولَى بالحق في تلك المسألة من ذلك الفقيه؛ لأنه صاحبُ الفنِّ وإمامه.

وهكذا لو احتاج أحدٌ من المقلِّدين أن ينظرَ في مسألةٍ لُغويةٍ، لرجع إلى كتب اللغة، وأَخذ بقولِ أهلها، ولم يلتفت في تلك المسألةِ إلى ما قاله مَنْ هو مقلِّدٌ له، ولا عَوَّل عليه، ولا سيَّما إذا عارَضَ ما يقولُه مَنْ هو مِنْ أئمةِ اللغة، وخالَف ما يوجد في كتبها.

وهكذا لو أراد أحدُهم أن يبحث عن مسألةٍ أصولية، أو كلامية (١)، أو تفسيرية … أو غير ذلك من علومِ العقل والنقل، لم يَرجِع في كلِّ فنٍّ إلَّا إلى أهله، ولا يُعوِّلُ على سواهم؛ لأنه قد عَرف أن أهلَ تلك الفنون أخبَرُ بها، وأتقنُ لها، وأعرفُ بدقائقها وخفيَّاتِها، وراجِحها ومرجوحها، وصحيحِها وسقيمها، بخلاف مَنْ يقلِّدونه؛ فإنه وإن كان في علم الفقه بارعًا عارفًا به، لكنه في هذه الفنون لا يرتقي إلى أقلِّ أهلِهِ رُتبةً وأحقرِهم معرفةً، ولا يرضى مقلِّدوه أن يعارِضُوا بقوله في هذه الفنون قولَ مَنْ هو مِنْ أهلها!.

وإذا عرفتَ هذا من صنيعهم وتبيَّنتَه، فقل لهم: ما بالُكم تركتم خيرَ الفنون نفعًا، وأشرفَه أهلًا، وأفضلَه واضعًا وهو علمُ السُّنة؟! فإنكم قد عَلِمتم أن اشتغالَ أهلِ هذا العلمِ به أعظمُ من اشتغال أهل سائر الفنون


(١) أي: من مسائل علم العقيدة. واعلمْ أن تسمية هذا العلمِ الشريف ب «علم الكلام»، تسميةٌ بدعيةٌ مرفوضة، لِما بينهما من الاختلاف الشاسع، وإنما يسمى ذلكم العلم العظيم: «العقيدة، التوحيد، السُّنة، أصول الدين، الفقه الأكبر، الشريعة، الإيمان». راجع: «بُحوث في عقيدة أهل السنة والجماعة»، للشيخ الجليل ناصر بن عبد الكريم العقل (١٣ دار العاصمة).

<<  <   >  >>