للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا العامدُ إلى كُتُبِ مَنْ لا يعرفون صحيحَ الأحاديث من باطلها، ولا يميزونها بوجهٍ من وجوهِ التمييز كالمُشتغلينَ بعلمِ الفقه، والمشتغلينَ بعلم الأصول قد دخل تحت حديث «فهو أحدُ الكاذِبين»؛ لأن مَنْ كان كذلك، فهو مَظِنَّةٌ للكذب على رسول اللَّه وإن لم يكن عن عَمدٍ منه وقَصْدٍ؛ لأنه أقدَمَ على روايةِ ما لا يدري أصحيحٌ هو أم باطل؟ ومَن أقدَمَ على ما هذا شأنُه وقع في الكذب.

وأما إذا كان الناقلُ مِنْ غير أهل الفنِّ لا يَدرِي أن مَنْ نَقَل عنه لا تمييزَ له، فهذا جاهلٌ؛ ليس بأهلٍ لأن يَتكلمَ على أحكام اللَّه، فاستحق العقوبةَ مِنْ اللَّهِ بإقدامه على الشريعة وهو بِهذه المنزلة التي لا يَستحقُّ صاحبُها أن يتكلمَ معها على كلامِ فردٍ مِنْ أفراد أهل العلم؛ فكيف على كلام اللَّه ورسوله!! فبُعدًا وسُحقًا للمتجرِّئين على اللَّه وعلى شريعته بالإقدام على التأليفات للناس؛ مع قُصورهم وعدم تأهُّلهم.

وقد كَثُر هذا الصُّنعُ مِنْ جماعةٍ يَبرُزُون في معرفةِ مسائل الفقه التي هي مشوبةٌ بالرأي إن لم يكن هو الغالبَ عليها، ويَتصدَّرون لتعليم الطلبةِ لهذا العلم، ثم تكبُرُ أنفسُهم عندهم لِمَا يجدونه من اجتماع الناس عليهم، وأخذِ العامَّةِ بأقوالهم في دِينهم، فيظنُّون أنهم قد عَرَفوا ما عَرفه الناس، وظفِروا بما ظَفِر به علماءُ الشريعة المتصدِّرون للتأليف والكلام على مسائلِ الشريعة، فيَجمَعون مؤلَّفاتٍ هي مما قُمِّشت (١)، وضمَّ حَبلُ الحاطب! صُنعَ مَنْ لا يدري لمن لا يفهم. ثم يأخذُها عنهم مَنْ هو أجهلُ منهم وأقصرُ باعًا في العلم، فيَنتشرُ في العالَم، وتظهرُ في المِلةِ الإسلامية فاقرةٌ من الفواقر،


(١) قُمِّشت: أخذت من هنا وهناك.

<<  <   >  >>