وقاصمةٌ من القواصم، وصاحبُها لِجهله يظنُّ أنه قد تقرَّب إلى اللَّه بأعظم القُرَب، وتاجَرَه بأحسنِ مُتاجَرة! وهو فاسدُ الظن، باطلُ الاعتقاد، مستحقٌّ لسَخَط اللَّهِ وعقوبتِه؛ لأنه أقدَمَ في محلِّ الإحجام، وتحلَّى بما ليس له، ودَخَل في غيرَ مُدخَلِه، ووَضَع جَهلَه على أشرفِ الأمور وأعلاها، وأَوْلاها بالعلم والإتقانِ والتمييزِ وكمال الإدراك.
فهذا هو بمنزلةِ القاضي الذي لا يَعلَمُ بالحق، فهو في النار سواءٌ حكم بالحق أو بالباطل (١)؛ بل هذا الذي أقدَمَ على تصنيف الكتب وتحريرِ المجلَّدات في الشريعة الإسلامية مع قُصوره، وعدم بلوغِه إلى ما لابد لمن يتكلم في هذا الشأن منه أحقُّ بالنار من ذلك القاضي الجاهل؛ لأنه لم يُصَبْ بجهل القاضي الجاهل مِثلُ مَنْ أصيب بمصنَّفات هذا المصنِّفِ المقصِّر.
ومَن فَتح اللَّهُ عليه من معارفِه بما يَعرِفُ به الحقَّ من الباطل، والصوابَ من الخطأ، لا يَخفى عليه ما في هذه المصنَّفاتِ الكائنة بأيدي الناس في كلِّ مذهب؛ فإنه يقفُ مِنْ ذلك على العجب؛ ففي بعض المذاهب يَرى أكثرَ ما يقفُ عليه في مصنَّفٍ من مصنَّفاتِ الفقه خلافَ الحق، وفي بعضِها يجدُ بعضَه صوابًا وبعضَه خطأً، وفي بعضها يجدُ الصوابَ أكثرَ من الخطأ، ثم يَعثُرُ على ما يُحرِّرُه مصنِّفو تلك الكتب من الأدلة لتلك المسائلِ التي قد دوَّنوها،
(١) كما ثبت في الحديث عن بُريدة ﵁ أن رسول اللَّه ﷺ قال: «القضاةُ ثلاثةٌ: واحدٌ في الجنة، واثنانِ في النار، فأما الذي في الجنة: فرجلٌ عَرف الحقَّ فقضى به. ورجلٌ عَرف الحقَّ وجار في الحكم فهو في النار. ورجلٌ قضى للناس على جهل فهو في النار». وهو حديث صحيح: رواه أبو داود (٣٥٧٣)، وابن ماجه (٢٣١٥)، وصحَّحه الشيخ الألباني، والشيخ شعيب الأرنؤوط.