فيجدُ فيها الصحيحَ والحسنَ والضعيفَ والموضوع، وقد جعلها المصنِّفُ شيئًا واحدًا، وعَمِل بها جميعًا مِنْ غير تمييز، وعارَض بين الصحيح والموضوع وهو لا يدري، ورجَّح الباطلَ على الصحيح وهو لا يعلم!.
فما كان أحقَّ هذا المصنِّفَ لا كثَّر اللَّهُ في أهل العلم من أمثاله بأن يؤخَذَ على يده، ويقال له:«اترك ما لا يَعنيك، ولا تشتغِلْ بما ليس من شأنك، ولا تدخُلْ فيما لا مَدخل لك فيه».
وإذا فات أهلَ عصره أن يأخُذوا على يده، فلا ينبغي أن يفوتَ مَنْ بعدَهم أن يأخذوا على أيدي الناس، ويَحُولُوا بينهم وبين هذا الكتابِ الذي لا يفرِّقُ مؤلِّفُه بين الحق والباطل، ولا يُميِّزُ بين ما هو من الشريعة وما ليس منها؛ فما أوجَبَ هذا عليهم! فإن هذا المشؤومَ قد جَنى على الشريعة وأهلِها جنايةً شديدةً، وفَعَل منكرًا عظيمًا، وهو يعتقدُ لجهله أنه قد نَشَر في الناس مسائلَ الدين، ويظنُّ مَنْ اتبعه في الأخذ عنه أنَّ هذا الذي جاء به هذا المصنِّفُ هو الشريعة، فانتشَرَ بين الجاهِلِين أمرٌ عظيم، وفتنةٌ شديدة.
وهذا هو السببُ الأعظمُ في اختلاطِ المعروف بالمنكر في كتب الفقه، وغَلَبةِ علم الرأْي على عِلم الرواية؛ فإن المُتصدِّرَ للتصنيف في كتب الفقه وإن بلغ في إتقانه وإتقانِ علم الأصول وسائر الفنون الآليةِ إلى حدٍّ يتقاصرُ عنه الوصف، إذا لم يُتقِنْ عِلمَ السُّنة، ويعرف صحيحه من سقيمه، ويُعوِّلُ (١) على أهله في إصداره وإيراده، كانت مصنَّفاتُه مبنيَّةً على غير أساس؛ لأن علم الفقهِ هو مأخوذٌ من عِلم السُّنة إلا القليلَ منه، وهو ما قد صَرَّح بحُكمه القرآنُ الكريم؛ فما يَصنع ذو الفنونِ بفنونه إذا لم يكن عالمًا بعلم الحديث، متقِنًا له،