وبِهذه العِلَّةِ تجدُ المصنِّفين في علم الفقه يُعوِّلون في كثيرٍ من المسائل على مَحْضِ الرأي، ويدوِّنونه في مصنَّفاتِهم، وهم لا يشعرون أن في ذلك سنةً صحيحةً يعرفُها أقلُّ طالبٍ لعلم الحديث! وقد كثُر هذا جدًّا من المشتغِلِين بالفقه على تفاقُم شرِّه وتعاظُمِ ضَرره، وجَنَوا على أنفُسهم وعلى الشريعة وعلى المسلمين.
وإذا شككتَ في شيءٍ من هذا، فخذ أيَّ كتابٍ شئتَ من الكتب المصنَّفة في الفقهِ وطالِعْه؛ تجدِ الكثيرَ الواسع، وكثيرًا ما تجدُ في ذلك من المسائل التي لم تَدْعُ إليها حاجة، ولا قام عليها دليلٌ، بل مجردُ الفرض والتقدير، وما يدورُ في مناظرةِ الطلبة ويَسبقُ إلى أذهانِهم؛ فإن هذا يكونُ في الابتداء سؤالًا ومناظرةً، ثم يُجيب عنه مَنْ هو مِنْ أهل الفقه، وغالبُ مَنْ يتصدَّرُ منهم ويَنفُقُ بينهم هو مَنْ لا التفاتَ له إلى سائر العلوم، ولا اشتغالَ منه بها، ولا يَعرفُ الحُجة، ولا يَعقِلُها، فيُدوِّنُ الطلبةُ جوابَه، ويصيرُ حينئذٍ فقيهًا وعَلَمًا، وهو كلامُ جاهلٍ لا يستحقُّ الخِطاب، ولا يُعوَّلُ على مِثله في جواب، ولو تكلَّم معه المتكلِّمُ في فنٍّ من فنون الاجتهاد، لكان ذلك عنده بمنزلة مَنْ يتكلمُ بالأعْجَمية، ويأتي بالمُعمِّياتِ، ويتعمَّدُ الإلغاز.
فيا هذا الجاهلُ لا كثَّر اللَّهُ في أهل العلم من أمثالك ألَا تقتصرُ على ما قد عرفتَه مِنْ كلامِ مَنْ تُقلِّدُه، فإذا سألك سائلٌ عن شيءٍ منه نقلتَه له بنصِّه، وإن سألك عمَّا لم يكن منه قلتَ:«لا أدرى»! فما بالُك والكلامُ برأيك، وأنت جاهلٌ لعلم الرأي فضلًا عن علم الرواية، وعاطلٌ عن كلِّ معقولٍ ومنقول، لم تَحْظَ من علم الفقهِ الذي ألَّفه أهلُ مذهبك إلا بمختصَرٍ من