للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المختصَرات فضلًا عن مؤلَّفاتِ غيرِ أهلِ مذهبك في الفقه؛ فضلًا عن المؤلَّفات في سائر العلوم؛ فأنت مِنْ علامات القيامة، ومِن دلائل رفعِ العلم، وقد أخبرنا رسولُ اللَّه عنك وعن أمثالك، وأبان لنا أنه «يَتَّخذ الناسُ رؤوسًا جُهَّالًا، فيُفتُون بغير علم، فيَضِلُّون ويُضلُّون» (١). فأنت ممن يُفتي بغير علم، ويتعمَّدُ الضلالةَ لنفسه والإضلالَ للناس؛ فأربِعْ على ظَلَعِك (٢)، وأقصِر من غِوايتك، واترك ما ليس مِنْ شأنك، ودَعْ مِثلَ هذا لمن علَّمه اللَّهُ علمَ الكتابِ والسُّنة، وأطلعه على أسرارهِما بما فَتح له من المعارف الموصِّلةِ إليهما؛ فأنت إن وَكَلتَ الأمر إلى أهله، وألقيتَ عِنانَ هذا المَركَب إلى فارِسه: دَخل (٣) إلى الشرع من أبوابه، ووَصل إلى الحق من طريقه، وحَطَّ عن عبادِ اللَّه كثيرًا من هذه التكاليف التي قد كلَّفهم بها أمثالُك من الجُهال، وأراحهم من غالب هذه الأكاذيب التي يسمُّونها «عِلمًا»؛ فإن ذلك شيءٌ الجهلُ خيرٌ منه.

ولقد عظُمت المِحنةُ على الشرع وأهلِه بِهذا الجنس مِنْ المقلِّدة، حتى بَطَل كثيرٌ من الشريعةِ الصحيحة؛ التي لا خلاف بين المسلمين في ثبوتِها لاشتهارها بين أهل العلم ووجودها إمَّا في محكم الكتاب العزيز، أو فيما صحَّ من دواوين السُّنة المطهَّرة التي هي مشتهِرةٌ بين الناس اشتهارًا على وجهٍ لا يَخفَى على مَنْ يُنسب إلى العلم وإن كان قليلَ الحظِّ فيه.

وسبب ذلك: أن هؤلاء كما عرفتَ قد جَعلوا غايةَ مَطلبهم ونهايةَ مَقصِدِهم: العلمَ بمختصَرٍ من مختصرات الفقه؛ التي هي مشتملةٌ على ما هو


(١) صحيح: رواه أحمد (٢/ ١٦٢)، والبخاري (١٠٠)، ومسلم (٢٦٧٣)، والترمذي (٢٦٥٢)، وابن ماجه (٥٢)، وابن حِبَّان (٤٥٧١)؛ عن عبد اللَّه بن عمرو .
(٢) أربِع: تمهَّل. الظَّلَع: السرعة في المشي.
(٣) أي: هذا الفارس، وهو العالِمُ الراسخ.

<<  <   >  >>