مِنْ علم الرأي والرواية والرأيُ أغلب، ولم يرفعوا إلى غير ذلك رأسًا مِنْ جميع أنواع العلوم، فصاروا جاهِلِين بالكِتاب والسنةِ وعِلمِهما جهلًا شديدًا؛ لأنه قد تقرَّر عندهم أن حُكمَ الشريعة مُنحصِرٌ في ذلك المختصَر، وأن ما عداه فَضْلةٌ أو فضول! فاشتدَّ شَغَفُهم به وتكالُبُهم عليه، ورغِبوا عمَّا عداه، وزَهِدوا فيه زهدًا شديدًا؛ فإذا سمِعوا آيةً من كتاب اللَّه، أو حديثًا من سُنةِ رسول اللَّه ﷺ مُصرِّحًا بحُكمٍ من الأحكام الشرعية تصريحًا يفهمُه العامةُ من أهل طبقتهم، كان ذلك هينًا عندهم كأنه لم يكن كلامَ اللَّهِ أو كلامَ رسوله ﷺ! ويطرحونه لمجرد مخالفتِه لحرفٍ من حروف ذلك الكِتاب، بل مفهومٍ من مفاهيمه!! وهذا لا ينكرُه مِنْ صَنيعهم إلَّا مَنْ لا يعرفُهم.
وقد عرفتُ منهم مَنْ لو جَمَعَ له الجامعُ مصنَّفًا مستقلًّا من أدلةِ الكتاب والسنة يشتملُ على أدلةٍ قرآنيةٍ وحديثيَّة ما يجاوز المِئِينَ أو الألوف، كلُّها مصرِّحٌ بخلافِ حرفٍ من حروف ذلك المختصَر الذي قد عرفه من الفقه: لم يلتفت إلى شيءٍ من ذلك، ولو انضمَّ إلى الكتاب والسُّنةِ المنقولةِ في ذلك المصنَّف إجماعُ الأمة سابقها ولاحقِها، وكبيرِها وصغيرها مِنْ كل مَنْ يَنتسِبُ إلى العِلم على خلاف ما في ذلك المختصر، لم يَرفع رأسه إلى شيءٍ من ذلك!! ولا أستبعدُ أنه لو جاءه نبيٌّ مرسَلٌ أو مَلَكٌ مقرَّبٌ يُخبرُه أن الحقَّ الذي شرعه اللَّهُ لعباده خلافَ حرفٍ من حروفِ ذلك المختصر، لم يسمع منهما ولا صَدَّقهما، بل لو انشقَّت السماءُ، وصَرخ منها مَلَكٌ من الملائكة بصوتٍ يسمعُه جميعُ أهلِ الدنيا بأن الحقَّ على خلاف ذلك الحرف الذي في المختصر لم يصدِّقْه، ولا رجع إلى قوله!!.
وأعظمُ مِنْ هذا: أنك ترى الواحدَ منهم يعترفُ بأنه مُقلِّد، ثم يَحفظُ عن