للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شيخه مسألةً يَعترفُ أنها مِنْ أفكاره، وأنه لم يُسبقْ إليها مع اعترافه بأن ذلك الشيخَ مقلِّدٌ، واعترافِه بأن تقليدَ المقلِّدِ لا يصح، ثم يأخذُ هذه المسألةَ عن شيخه، ويعملُ بها؛ قابلًا لها قبولًا تامًّا، ساكنًا إليها، مُنثلِجَ الخاطر بها، مؤثِرًا لها على أدلةِ الكتاب والسنة، وأنظارِ المبرَّزين من العلماء، ولو أجْمعوا جميعًا؛ فإن إجماعهم ودليلَهم لا يُثني هذا الفَدِمَ الجافِيَ الجِلْفَ (١) عن كلام شيخِه المقلِّد الذي سمعه منه!.

وبالجملة؛ فمَن كان بِهذه المنزلة، فهو ممَّن طَبع اللَّهُ على قلبه، وسَلَبه نورَ التوفيق، فعَمِي عن طريقِ الرشاد، وضلَّ عن سبيل الحق.

ومثل هذا لا يَستحقُّ توجيهَ الخطابِ إليه، ولا يستأهلُ الاشتغالَ به؛ فإنه وإن كان في مِسلاخ إنسان (٢)، وعلى شكل بني آدم، فهو بالدوابِّ أشبه وإليها أقرب، ويا ليته لو كان دابةً لِيَسلَمَ مِنْ مَعَرَّتِه عبادُ اللَّه وشريعتُه؛ ولكنَّ هذا المخذولَ مع كونه حِمارِيَّ الفَهم، بَهيمِيَّ الطبع قد شَغَل نفسه بالحطِّ على علماءِ الدين المبرَّزين المشتغِلين بالكتاب والسُّنةِ وعِلمِهما، وما يوصِّلُ إليهما، وعادَاهم أشدَّ العدواة، وكافَحهم بالمكروه مكافحةً، ونَسَبهم إلى مخالفةِ الشرع ومُباينةِ الحق، بسبب عدمِ موافقتهم له على العملِ بما تلقَّنه من شيخِه الجاهل.

ولقد جاءت هذه الأزمةُ في ديارنا هذه بما لم يكنْ في حِساب، ولا خَطَر ببالِ إبليس أن تكون له مِثلُ هذه البطانة، ولا ظنَّ أنه يَنجَحُ كَيدُه فيهم إلى هذا الحدِّ، ويَبلُغون في طاعتِه هذا المَبلَغ؛ فإن غالبَهم قد ضمَّ إلى ما قدَّمناه من أوصافه وصفًا أشدَّ منها وأشنعَ وأقبح؛ وهو أنه إذا سمع قائلًا يقول: «قال


(١) الفَدِم: الأحمق. الجافي: الفظ. الجِلف: الغليظ. (٢) المِسلاخ: الجِلد.

<<  <   >  >>