المسلمين بمشقة رؤية أحدهم ابنته, وزوجته مملوكة, وذكر أنه فعله بعوض, وفعل أبي بكر أجمع عليه الصحابة.
قلت: رده قول ابن رشد بقوله: لا نسلم أنه خالف أبا بكر؛ يرد بأنه منع لأمر ظاهر ثبوته دون دليل على منعه.
وقوله: تطييبا للنفوس؛ لا يصح كونه دليلا عليه؛ لأن نقض حكم الحاكم العالم العدل لا يسوغه تطييب النفوس.
وقوله: أجمع عليه الصحابة؛ خلاف ما ذكر ابن عباس من الخلاف في ذلك حسبما يأتي إن شاء الله تعالى.
والجواب الحقيقي: أن الحكم بالسبي في قوم لا يناقضه الحكم فيهم بالمن عليهم؛ لأنه لا منافاة بينهما, ولأن المن مسبب عن السبي, والمسبب يغاير سببه ولا يناقضه؛ ولذا كان الإمام في حكمه بالسبي في قوم, ثم بالمن عليهم ليس بمناقض في حكميه.
فحينئذ أقول: الصادر من عمر إنما هو من عليهم لما رآه من المصلحة, لا سيما وقد أسلموا كلهم, لا نقض لحكم أبي بكر؛ إذ لا تغاير بين حكمتيهما إلا مغايرة حكم حاكم بالسبي لحكمة بالمن, ولا تناقض بينهما, وكل هذا بناء على تلقي ما حكاه ابن حبيب عن عمر بالقبول حسبما تلقاه الشيخ وابن رشد, وفي ذلك عندي نظر لما ذكره الشيخ الراوية العدل: أبو الربيع ابن سالم قال في اكتفائه في ردة أهل دبا وأزد عمان: أن حذيفة بن اليمان قدم بسبيهم المدينة, وهم ثلاثمائة مقاتل وأربعمائة من النساء وذرية اختلف فيهم المسلمون.
قال زيد بن أسلم عن أبيه: أوثقهم أبو بكر بدار رمله بنت الحارث؛ يريد: قتل المقاتلة, فقال له عمر: يا خليفة رسول الله قوم مؤمنون إنما شحوا بأموالهم وقالوا: والله ما رجعنا عن الإسلام؛ فلم يدعهم أبو بكر بهذا القول, فتوفي أبو بكر وهم موثقون, فلما ولي عمر سرحهم, وكان فيهم أبو صفرة والد المهلب.
قال أبو الربيع: وذكر ابن عباس: أن رأي المهاجرين فيهم حين استشارهم أبو بكر القتل أو الفداء بأغلى الفداء, ورأى عمر ألا قتل عليهم ولا فداء, فبقوا موثقين حتى
ولي عمر فأرسلهم دون فداء