اتفقا حين العقد على بنائه بدفع المعجل فقط، فألزمها ذلك بعد حلول لمؤجل، ولم يتعقبوا قول سحنون بشيء.
وقال ابن الحاجب: ألزم الأجل المجهور، ورد بأن تمكنها من طلب البناء بنفس حلول الأجل يحقق توفيته به؛ فلا جهالة.
قلت: وهذا كبيع سلعة لأجل من معسر على حميل أو رهن، فإنه يحل بالأجل، ولا يصح طلب الحميل إلا بعد إثبات عدم الغريم، ولا بيع الرهن إلا بعد الرفع للحاكم، فلما لم يوجب وقف قبض الثمن على ذلك كون البيع لأجل مجهول، فكذا في النكاح، وهذا الجواب تام على ما نقله من تقدم عن سحنون ومالك، وأما على ما نقله ابن سهل عنه؛ فلا، ونصه في مسائل ابن حبيب: قلت لسحنون: متى يجب المهر؟ قال: لا يجب قبل الدخول ولا بعده إلا على قدر ما يرى الحاكم قد ينقد الرجل عشرة دنانير ومهره مائة، لو قيل له: تأخذك به ما رضي بسدسها؛ فإنما يكون حلوله إذا رأى الحاكم ذلك، ولا يكون قبل الدخول على حال، وإن كان في الكتاب مهرًا حالا لها عليه، قيل له: مالك يقول: الدخول يبطل الصداق إذا قال: دفعته، ولا يكتب الناس في الصدقات البراءات، فقال: جواب مالك على أنه عاجل، ولم يكن فيه مهر، والمهر عند الناس مؤخر ألا ترى أن الشاميين يقولون: المهر إلى موت أو فراق، وهو كان رأي المصريين انتهى.
قلت: فقول سحنون هذا لا ينهض فيه الجواب المذكور، وجواب بعضهم بأن زمن الدخول معلوم ضعيف؛ لأن كونه معلومًا خاص ببعض الأزمنة والبلاد، وقول سحنون عام فيهما، وفي وجوب القضاء بما حل قبل البناء قبله أو بعده، ثالثها: بعد انقضاء سابع بنائه، ورابعها: بعده بقدر اجتهاد الحاكم لمن تقدم ذكر كل منها عنه، وما نقله ابن سهل عن سحنون حجة لأحد قولي شيوخ بلدنا في اختلافهم في تمكين المرأة من طلب مهرها بعد البناء دون موت ولا فراق.
قال بعضهم: يقضى لها بذلك لكتبهم في الصدقات أنه على الحلول، وقال بعضهم: لا يقضى لها لاستمرار العادة بعدم طلبه إلا لموت أو فراق، فألزم كون أنكحتهم فاسدة فالتزمه، وكان شيخنا ابن عبد السلام في أول أمره لا يقضي به بعض ولاته