كشف القاضي عن أمرها جيرانها إن كان فيهم عدول، فإن لم يكونوا فيهم أمره القاضي بإسكانها بموضع له جيران عدول، فإن بان من ضرره ما يوجب تأديبه أدبه، وإن كان لها شرط في الضرر أباح لها الأخذ به، وإن عمي عليه خبرها، ورأى إسكانها مع ثقة يفتقد أمرهما أو إسكان ثقة معهما فعل، هذا معنى ما ذكره ابن حبيب عن مطرف وأصبغ، وفي كتاب الجدار لعيسى بن دينار نحوه.
ولابن سحنون عن أبيه فيمن ادعت ضرر زوجها، وادعى هو إضرارها وسوء عشرتها وجهل صدقهما اختبر الحاكم أمرهما بأن يجعل معهما أو يجعلهما مع من يتبين له أمرهما فيعمل عليه، وهذا كله يقتضي أن الحكمين إنما يبعثان عند إشكال أمر الزوجين فيما يدعيانه، وبعد طول شكواهما والكشف عن أمرهما.
قلت: هذا الذي عليه الأكثر، وقاله ابن فتوح والمتيطي وابن فتحون ولفظه: ويكلف القاضي جيرانها الصالحين تفقد خبرها وضررها، فإن كانت ساكنة معه في مثل هؤلاء القوم لم يلزمه نقلها، ولا يقضي بإسكان أمينة معها، ورأيت لقرعوس بن العباس أن يقضى بذلك، والأول أظهر وأشهر إلا أن يتفق الزوجان عليها، وتكون نفقتها عليهما.
المتيطي عن بعض الفقهاء: آية بعث الحكمين محكمة غير منسوخة، والعمل بها واجب لم يترك القول بها عالم حاشى يحيى بن يحيى كان لا يرى بعث الحكمين.
قال ابن عبد البر في تاريخه: وأنكر عليه وتبعه ابنه عبيد الله، وأنكر بعثهما على ما استفتاه.
ابن فتوح: قال محمد بن أحمد: لم يقض عندنا فيما أدركنا وسمعنا بالحكمين؛ لأنه قل ما يبلغ أمر الزوجين حيث يحتاج إليهما.
قلت: ففي بعث الحكمين بمجرد تشاجر الزوجين وشكوى أحدهما الآخر، ولا بينة، وتركه مطلقًا لإسكانهما مع من يقبل قوله إلى تبين الظالم منهما، ثالثها: الواجب إسكانهما معه إن لم يفد مع جيران كذلك، فإن طال أمرهما وتكررت شكواهما بعثهما لهما، لابن سهل عن فتوى ابن لبابة وابن وليد، والمتيطي عن يحيى بن يحيى مع ابنه عبيد الله، والأكثر مع ابن سهل عن أول جوابي عبيد لله بن يحيى.