وسمع القرينان من كتبت لأبيها الغائب أن يزورها فأبى، فسألت زوجها أن يكتب إليه:"إني طلقت ابنتك" ليأتيها ففعل، ولم يرد بكتبه طلاقاً؛ إن صح أن كتبه على هذا، فلا شيء عليه فيما بينه وبين الله تعالى، ولو قام عليه أبوها بكتابه فلا شيء عليه إن أقام بينة أنه أشهدهم على هذا، وقال: إنما سألتني أن أكتب بهذا لكذا وكذا وأنا أكتب به لذلك لا أريد به طلاقاً فا شيء عليه.
قيل: أرأيت إن لم يكن أشهدهم وجاء أبوها بالكتاب فجاءت هي، وهو يقتص هذه القصة أيستحلف.
قال: ما أدري ما الناس كلهم سواء، الرجل المأمون مصدق.
قيل: لو قالت المرأة أردت خديعته بذلك وأردت الطلاق فأنكر ذلك، فقال: إن علم ذلك من شأنها فلا شيء عليه، وإن لم يكن إلا قوله وظهر كتابه بطلاقها طلقت عليه.
قيل: أي الطلاق قال ينوى وتكون واحدة.
ابن رُشد: في ألفاظها إشكال، وفي ظاهر كلامه اضطراب، وحاصلها إن صح الوجه الذي ذكر في كتابه أنه طلقها؛ يريد ببينة تشهد على ذلك أو جاء الزوج مستفتياً وحده فلا طلاق عليه، وإن جاءوا معاً فذكر الزوجان القصة، وقال الأب: لا أدري صدقهما من كذبهما صدق الزوج مع يمينه إن كان مأموناً، وإن قام الأب بالكتب في غيبة الزوج فلما وقف عليه أقر به وادعى أنه إنما كتبه لذلك لما ذكر لم يصدق إلا أن يكون أشهد بينة على أنه إنما كتب بالطلاق لذلك، فإن لم تقم بينة لزمه الطلاق. قال في الرواية ينوى وتكون واحدة أي يدين فيما ادعى من أنه لم يرد بذلك طلاقاً وتكون واحدة. قاله أشهب في نظير هذه المسألة، وهو على أصولهم فيمن ادعى على رجل حقاً فأنكره المدعي عليه وأقام المدعي بينة على بعض ما ادعاه أن المدعي عليه يحلف ما له عنده شيء، ويغرم ما شهدت عليه به البنية، إذ لا خروج له من ذلك كما لا خروج له من الطلقة الواحدة المستيقنة، ولو رجع فقال: أردت به الطلاق واحدة كانت واحدة، ولا يمين عليه على القول بأن من قال طلقت امرأتي ولا نية له أنها واحدة، وأما على القول أنها ثلاث فقيل: لا ينوى لإنكاره أو لا أنه أراد الطلاق وتكون ثلاثاً، وقيل: يحلف وتكون واحدة