غائبًا غيبة قريبة أن يولي منه أحدًا ولو لمن رآه كما رآه المشتري أو وصف له كما وصف للمشتري.
ابن رُشْد: إنما لم يجز لاختلاف الذمم؛ لأن المشتري لم ينقد؛ إذ لا يجوز نقده لغيبة الطعام ومعنى قوله: غيبة قريبة مما لا يجوز النقد فيه، وكذا ذكره ابن حبيب إنما لم تجز إن كانت غيبة بعيدة أو يكون قوله هذا على منع النقد في الغائب، وإن قربت غيبته، وهذا أشبه بظاهر الكتاب، والخلاف الذي في مسألة من اشترى طعامًا بثمن مؤجل فلاه رجلًا قبل استيفائه داخل في هذه المسألة. وفي التفسير الأول سألت ابن القاسم لم كره مالك التولية في الطعام الغائب المعين؟ قال: لأنه دين بدين؛ لأنه وجب للمشتري وهو أحق به من البائع إن سلم فهو كدين له، فإذا ولاه لم يجز النقد فيه فصار دينًا بدين، وكذا لو استقال منه دخله الدين بالدين، والتولية أحرى أن يدخلها الدين بالدين، وكذا البيع لا يجوز بين البائع والمشتري في ذلك إقالة، ولا بيع في عرض ولا طعام لما يدخله من بيع الطعام قبل أن يستوفي الطعام، ولا بأس في العروض أن يبيعها المشتري أو يوليها أو يشرك فيها.
ابن رُشْد: وهذا الذي وقع في التفسير متناقض غير صحيح قال: أولًا تولية الطعام الغائب يدخله الدين بالدين، ولو كان دينًا بدين لكان بيع السلعة الغائبة دينًا بدين فلم يجز بيع الغائب الذي لا يجوز النقد فيه بحال ولو كان دينًا بدين لم يجز في العروض وهو قد أجازه فيها في أحد قوليه وأجاز فيها الشركة والبيع أيضًا.
وقوله: إنما لا يجوز ذلك في الطعام؛ لأنه بيع الطعام قبل استيفائه، وهذا تناقض بين؛ لأنه قال: أولا يدخله الدين بالدين، وقال آخرًا: إنما يدخله بيع الطعام قبل استيفائه، ولا يتصور دخول بيع الطعام قبل استيفائه إلا على ما ذكرناه من خلاف الذمم.
وقوله: أحرى أن لا تجوز التولية، وهم؛ لأن الإقالة يدخلها فسخ الدين في الدين لوجوب الثمن للبائع على المبتاع ولأخذ سلعة غائبة عنه، والتولية لا يدخلها شيء من ذلك؛ لأنها بيع من غير الذي اشتراه منه قبل أن يقبضه فكذلك يجوز له أن يولي الطعام الغائب قبل أن يقبضه إذا انتقد من الذي ولاه مثل ما نقد فلا وجه لكراهة مالك تولية