كره ذلك اتباعًا لمالك، وتأول عليه أن ذلك للمزابنة فأجازة للأجل القريب وأجاز كبار البغال في صغار الحمير، لأنها لاتنتجها على هذا حمل الشُيُوخ المسألة، واعترضوها، واعتراضهم على ما حملوها عليه صحيح، لأن كراهة كبار الحمير في صغار البغال ضعيفة، وحجة ابن القاسم باتباعه مالكا عليها غير صحيح إذ لايصح اتباع عالم عالًما فيما لايرى له وجه صحة وتأويله أنه للمزابنة بعيد لبعدها في ذلك، ويلزمه على هذا التاويل إجازة مالك إلى الأجل البعيد الذي لا يكن فيه من الحمار بغل ولا يقصره على خمسة أيام ونحوها، وكيف يصح على ما تأويله علي مالك وقد أجاز فيها كبار الخيل والإبل في صغارهما صغار ماتنتج الخيل والإبل تناج الإبل؟ ولعل معنى قول مالك في هذه العبارة أن الصغار والكبار من كل جنس صنفاً واحداً كما كذلك في بني أدم والضأن والمعز، وهو قول ابن دينارفي المدينة، ولو سئل على هذا القول عن كبار البغال لصغار الحمير لكرهها ولم يفرق بينهما كما فعلل ابن القاسم، والذي أقوله في هذه المسألة إن معنى قوله: لا خير في كبار الحمير بصغار البغال؛ أي لا خير في ذلك واحد بواحد قدم الكبير أو أخر كقوله في المسألة التي قبلها وذلك علي أصله أن البغال والحمير صنف واحد، وقوله بعد ذلك لا بأس بكبار البغال بصغار الحمير اثنان بواحد علي ما وصفت لك أي يجوز اثنان بواحد لأجل مع تباعدهما بالصغر والكبر والأجناس؟ ففال: لا أجد في ذلكم إلا الاتباع لقول مالك أي: لققوله: (أنهما جنس واحد والجنس الواحد لا يجوز الصغير منه بالكبير واحد بواحد)، فقال: من أي وجه أخذه؟ أي: من أي وجه أخذ كونهما جنساً واحداً؟ فقال: لأن الحمير تنتج البغال، فقال له: فلو كان لأجل قريب أي: لأجل لا تهمة فيه على الضمان لقربه فقال: إن كان لخمسة أيام ونحوه فلا بأس فعلى هذا تستقيم المسألة ويرتفع اللإلباس وأطال ابن لبابة كلامه عليها في المنتخبة وخلطه، وقال: إن ابن القاسم لم يفهم ما قاله مالك، قال: والذي قاله مالك إجازة كبار البغال في صغار الحمير عدداًً في عدد، وواحداًَ في واحد كالخيل في الحمير إذ لا يخرج الحمير من البغال كما لا تخرج من الخيل.
وسلم كبار الحمير في صغار البغال جاز في ذلك العدد في العدد ولم يجز فيه الواحد بالواحد ككبار الحمير في صغار الحمير؛ إذ تخرج صغار البغال من الحمير كما تخرج