قُلتُ: قوله أولاً: يوهم، وثانياً ما أظنه؛ يريد: هذا ظاهره أنه تنقطع نفقته بالبلوغ، وإن لم يستغن بأن يستغني، وإن لم يبلغ، وظاهر الرواية خلاف ذلك، ومثل هذا إنما يقوله الأشياخ لنص أو دليل على صرفها عن ظاهرها لا يدعى غيره عن دليل كحاله في هذا غير مستظهر عليه بدليل؛ بل مقتضي قولها مع غيرها بالرجوع على أبيه بالنفقة يقتضى أن نفقته عليه كأبيه، ولما ذكر الباجي قول ابن القاسم بالرجوع إليه إن تعمد طرحه قال: وقال أشهب: لا سيء على الأب بكل حال؛ لأنه أنفق تطوعًا.
زاد اللخمي: والأول أبين؛ لأنه يقول: لو علمت أن له من تلزمه نفقته لمن أنفق إلا على الإتباع بها، وأرى أن يرجع على الأب، وإن لم يطرحه؛ لأنه إذا رجع على الأب مع العلم به، فكذا إن لم يعلم به؛ لأنه لو علم به؛ لم ينفق عليه احتسابًا.
قُلتُ: ففي رجوعه عليه ثالثها: إن تعمد طرحه للخمي وأشهب وابن القاسم ولابن شاس ما حاصلة: إن أنفق حسية، أو لم يتعمد الأب طرحه؛ لم يتبعه، وإلا فقولان لأشهب وسَحنون، وإن أشكل أمر حسبته قبل قول المنفق مع يمينه أنه ليرجع عليه، ومثله قول ابن الحاجب، فإن يثبت له أب بالبينة طرحه عمدًا؛ لزمه إلا أن يكون أنفق حسبه؛ فلا رجوع، وإن أشكل؛ فالقول قول المنفق، وتبعهما ابن عبد السلام، وابن هارون، ومقتضى المدَوَّنة خلافه، وأن لمن أنفق عليه احتسابًا، ثم ظهر له أن له أبَّا موسرًا تعمد طرحه أن يرجع عليه بالنفقة؛ لأن فيها ما نصه: قال مالك: اللقيط إنما ينفق عليه على وجه الحسبة، ثم قال: من أنفق على لقيط، فأقام رجل البينة على أنه ابنه، تبعه بما أنفق عليه إن كان الأب موسرًا يوم أنفق عليه، وتعمد طرحه، ولو كان ضل عن أبيه؛ لم يتبعه، وهذان النصان ينتجن إتباع من أنفق على لقيط على وجه الحسبة أباه إن تعمد طرحه، ويتقرر بالفعل أن يقول: لقطها الأول يدل على صدق القضيِّة القائلة من أنفق على لقيط؛ فهو منفق عليهم على وجه الحسبة، ولفظها الثاني يدل على صدق القضيِّة القائلة: كل من أنفق على لقيط؛ فله إتباع أبيه المتعمد طرحه الموسر حين