للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: وقال بعض الناس: إن كان القاضي على مذهب مشهور عليه عمل أهل بلده؛ نهي عن الخروج عن ذلك المذهب، وإن كان مجتهدًا؛ أداه اجتهاده إلى الخروج عنه؛ لتهمته أن يكون خروجه حيفًا أو هوى، وهذا القول عمل بمقتضى السياسة، ومقتضى الأصول خلافه، والمشروع اتباع المجتهد مقتضى اجتهاده، وتجوز تولية قاضيين ببلد على أن يخص كل واحد منهما بناحية من البلد، أو نوع من المجكوم فيه؛ لأن هذه الولاية يصح فيها التخصيص والتحجير، أو استثنى في ولايته أن لا يحكم على رجل معين مع ذلك.

قال ابن فتحون: وقد تفرد القضاة في بعض البلاد بخطة المناكح فيولاه على حدة.

قلت: كما في بلدنا تونس قديمًا وحديثًا من تخصيص أحدهما بأحكام النكاح ومتعلقاته، والآخر بما سوى ذلك.

قال: وكذا على عدم التخصيص مع استقلال كل منهما بنفوذ حكمه، ومنعه بعض الناس بمقتضى السياسة؛ خوف تنازع الخصوم فيمن يحكم بينهم، ومقتضى أصول الشرع جوازه؛ لأن لذي الحق استنابة من شاء على حقه، ولو تعددوا، والتنازع يرتفع شغبه باعتبار قول الطالب، وإن تطالبا؛ قضى لكل منهما فيما هو فيه طالب بمن يريده. فإن تنازعا في التبدية؛ بدي الأول، فإن اقترعا؛ ففي القرعة، وترجيح من دعا إلى الأقرب خلاف، واستدل على جواز التعدد بالقياس على تولية الواحد؛ لبقاء حكم الإمام معه، وفرق يسير رفع التنازع عند اختلاف حكمهما بعزل الإمام قاضيه، وتعذر عزل أحد القاضيين الآخر، وجواز تعددهما بشرط وقف نفوذ حكمهما على اتفاقهما، منعه ابن شعبان وقال: لا يكون الحاكم نصف حاكم، وغلا فيه الباجي؛ فادعى الإجماع على منعه، وأجاب عن الاعتراض بتعدد حكمي الصيد والزوجين بأنهما: إن اختلفا؛ انتقل لغيرهما، والقاضيان هما بولاية لا يصح التنقل فيها بعد انعقادهما، واختلافهما يؤدي لتضييع الأحكام، والغالب اختلاف المجتهدين، وإن كانا مقلدين؛ فولاية المقلد ممنوعة، وعندي أنه لا يقوم دليل على المنع إن اقتضت ذلك مصلحة، ودعت إليه ضرورة في نازلة؛ ليرى الإمام أنه لا ترتفع التهمة والريبة إلا بقضاء رجلين فيها، فإن

<<  <  ج: ص:  >  >>