تجريح السر؛ يمنع تسمية شهود تجريحه، فيسقط الإعذار، كما لو علم القاضي جرحه بغير واسطة، وأفتى الفقيه المشاور أبو الوليد هشام بن أحمد عرف بابن العواد بعدم الإعذار إليه قال: والقول به باطل، وتغيير لسنة الإسلام.
قُلتُ: ومقتضى تعليل ابن مغيث منع حكم الحاكم بعلمه يتعذر الإعذار فيه؛ لأنه لا يعذر في نفسه مع الإقرار على حكمه بعلمه في الجرح سقوط الإعذار فيه، فأفتى ابن رشد في نوازله إن عزل وصيًا من ولاه بأمر رآه باجتهاده؛ فليس عليه أن يعلمه به، وإن عزله لجرحة؛ ثبتت عنده، فطلبه أن يعذر إليه في ذلك، ووجد بخط الفقيه أبي القاسم بن البراء أحد قضاة تونس في أواسط القرن السابع: وجدت بخط ابن زيدان أن أهل الجزيرة الخضراء شكوا سوء حال قاضيهم ابن عبد الخالق لأمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين، فرد أمره لقاضي سبتة ابن منصور فقال: سألت عنه سرًا؛ فصح عنه أنه لا يصلح للقضاء، فقال له المعزول: عرفني بمن صح عندك لعله عدو لي، فأبى تعريفه، فأفتى فقهاء قرطبة بلزوم تعريفه بمن ثبتت جرحته، وقال أبو الوليد بن رشد: لا يلزم تعريفه بمن ثبت تحريحه، واحتج بأن هذا ليس من باب الأحكام التي يعزل فيها بالتعديل والتجريح؛ بل يكفي في العزل للشكوى؛ كفعل عمر في سعد بن أبي وقاص قال: ولهذا المعزول أن يزكي نفسه؛ لتقبل شهادته، ولا يكون عزله جرحة؛ إذ القضاء حق للمسلمين؛ ولذا لا يمكن من الإعذار، فذكر ذلك للقاضي ابن أحمد فقال: لا يصح الاحتجاج بقضية سعد؛ لأن ذلك إنما هو للأمراء العام نظرهم في ذلك وغيرهم، ودليله أن من عزل منهم؛ قوسم بعضهم فيما بأيديهم، والقاضي ليس له ذلك، ومال إلى الإعذار للقاضي من أجل جرحته، وإذا ظن أن من أعذر إليه لجهل؛ ما يسقط عنه خصمه نبهه الحاكم عليه.
وفي السرقة منها: إذا زكيت البينة، والمطلوب بجهل التجريح من جهة الرجال، وضعفة النساء؛ أخبره القاضي بما له من ذلك، وبينة له لعل بينه وبينه عداوة، أو شركة مما لا يعلمه المعزولون، فإن كان مثله لا يجهل التجريح؛ لم يدعه إليه، وليس كرد اليمين؛ لأن الحكم لا يتم إلا بردها.