الأديب البارع أبي عبد الله محمد بن عبد الله القضاعي، شهر بالأبار في قصيدته الشهيرة التي بعث بها صاحب بلنسية زيان بن مرد نيس إلى ملك إفريقية أبي زكرياء بن أبي حفص يحرضه على قتال الروم، والأخذ بثأر أهل الأندلس التي مطعلها:
أدرك بخيلك خيل الله أندلسا ... إن السبيل إلى منجاتها درسا
قوله فيها:
تقاسم الروم لا نالت مقاسمهم ... إلا عقائلها المحجوبة الأنسا
وفي بلنسية منها وقرطبة ... ما ينسف النفس أو ما ينزف النفسا
بأنه دعاء للروم بنيل مقاسمهم شريفات النساء ومخدراتها، وجواب بعضهم بأن لا نالت، جواب تقاسم لا دعاء، قال: وتوهم كونه دعاء جهالة؛ يرد بنقل ابن هشام، وابن عصفور، وابن الضايع الآمدي، وغير واحد أن جواب القسم إن كان فعلاً ماضياً؛ لزمته (كما) كقوله تعالي: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}[الضحى:٣]، أو (إن) كقوله تعالي: {إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ}[فاطر:٤١]، والإنصاف أن التعقب غير جهالة لصحة استناده لظاهر نقل الأندلسيين، وأنه غير وارد لقول سيبويه في الكتاب عن الخليل، تقول: والله لا فعلت ذلك أبداً؛ تريد: لا أفعل، وهذا، وإن كان استطراداً؛ فهو مفيد بيان حكم مسألة ذات نظر.
وقول ابن عبد السلام: وظاهرة: أن السلامة من البدعة أمر زائد على العدالة؛ ظاهرة: أن ما هو زائد على حقيقة الماهية المعرفة لا يصح الإتيان بها في تعريفها، وإلا لما حسن إتيانه به، ويرد باتفاقهم على صحة التعريف بالخاصة، وهي زائدة على ماهية المعرف، وقوله: لكن؛ تعليله اشتراط هذه المعية بقوله: فإنها فسق يوجب كونها مضادة للعدالة؛ يستغني بذكر العدالة عنها وهم لا يليق بطبقته؛ لأن العدالة هي المعرف، والمعرف يستحيل أن يستغني به في التعريف ضرورة امتناع تعريف الشيء بنفسه، أو ما يتوقف معرفته عليه، والحق الواضح أن الضمير في (معها) عائد على المحافظة.
والروايات ورادة بذكر بعض ما هو مناف للعدالة في شهاداتها مما يجرح به الشاهد