ابن رشد: ليس قوله: الشمس تكسف غداً، أو القمر ليلة كذا من جهة النظر في النجوم، وعلم الحساب بمنزلة قوله: من هذا الوجه فلان يقدم غداً في جميع الوجوه؛ لأن الشمس والقمر يجريان بأمر الله في أفلاكهما من برج إلى برج على تقدير لا يختلف يبعد فيه القمر عن الشمس، كلما بعد زاد ضوءه إلى إن ينتهي في البعد ليلة أربعة عشر، فتكمل استدارته، وضوءه لمقابلة الشمس، ثم يأخذه في القرب؛ كلما قرب؛ نقص ضوءه إلى أن ينتهي في القرب ليلة أربعة عشر، فإذا قدر الله تعالي على ما أحكمه من أمره، وقدره من منازله في سيره أن يكون بإزاء الشمس في النهار فيما بين الأبصار والشمس ستر جرمه عنا، ضوء الشمس كله إن كان مقابلها أو بعضها، إن كان منحرفاً عنها؛ فكان ذلك كسوف الشمس آية من آيات الله، فليس في معرفته ذلك بما ذكرناه من جهة النجوم، وطريق الحساب ادعاء علم غيب، ولا ضلالة بوجه؛ لكن يكره الاشتغال به؛ لأنه مما لا يعني، وفي الإنذار به ضرر في الدين؛ لأن الجاهل إذا سمعه؛ ظنه من علم الغيب، فيزجر عن ذلك ناقلة، ويؤدب عليه كما قال.
قلت في كلامه تناف؛ لأنه صرح أولاً وثانياً بأن الكسوف من الأمور التي نصب الله تعالي على وجودها سبباً حسياً، فيعلم وجود ذلك الدليل بالحساب المستند لمعرفة حركة النيرين، وهذا أمر واضح، ولفظ قوله: فإذا قدر الله تعالي إلى قوله: آية من آيات الله؛ يقتضي أنه كنزول زلزلة أو صاعقة، ونحوها من الأمور التي لم ينصب عليها دليل، قال: واختلف في المنجم يقضي بتنجيمه أنه يعلم وقت قدوم فلان، أو نزول المطر، وما في الأرحام، أو ما يستسر به الناس والأخبار، وحادث الفتن والأهوال، وشبهه من المغيبات، فقيل ذلك: كفر جيب به قتله دون استتابة، وقيل: يستتاب إن تاب، وإلا قتل، قاله أشهب، وقيل: يزجر، وقيل: يؤدب، وهو له في هذا السماع، والذي أقواله إن هذا الخلاف؛ إنما برغم المنجمين النجوم، واختلاف طلوعها وغروبها هي الفاعلة لذلك كله، وكان مستتراً بذلك، فأسترته بيته؛ قتل بل استتابة؛ لأنه كافر زنديق، وإن كلنا معلناً بذلك غير مستتر به يظهره، ويحاج عليه؛ أستتيب، فإن تاب وإلا قتل، وإن