الشهود على غير ما شهدوا إنه ينفذ علمه، ويرد شهادتهم بعلمه، قالوا: لأنه لو لم يحكم بعلمه لتسلسل، وتعقب بقطعة بمشهور العدالة، وبأنه لا يلزم في التجريح لصحته بمشهور العدالة، ويجاب بأن كونه بمشهور العدالة؛ هو بعض صور كونه بعلمه، وجواب ابن عبد السلام بأن مرادهم هنا بالتسلسل؛ التسلسل الظني لا العقلي، والتسلسل الظني لا يترفع بصورة نادرة يرد بأن هذه الصورة النادرة وجودها يرفع ندورها؛ لأنها بها يوجد غيرها، ثم يوجد بهما صور كثيرة يرتفع بها ندورها، وبأن عدولهم عن عبارة التعليل بأن يؤدي إلى عسر إثبات العلم بالعدالة والجرح إلى عبارة التسلسل قرينة في أنه المعهود إطلاقه في أصول الفقه وهي العقلي؛ ولذا قال المازري في تقرير التسلسل: وهذا كما يقول أهل الأصول في استحالة حوادث لا أول لها.
وللصقلي في أواخر كتاب الأقضية عن سحنون: لو شهد عندي عدلان مشهوران بالعدالة، وأنا أعلم خلاف ما شهدا به؛ لم يجز أن أحكم بشهادتهما، ولا أن أردهما لعدالتهما، ولكن أرفع ذلك إلى الأمير الذي فوقي، وأشهد بما علمت، وغيري بما علم، ولو شهد شاهدان ليسا بعدلين على ما أعلم أنه حق؛ لم أقض بشهادتهما؛ لأني أقول في كتاب حكمي بعد أن صحت عندي عدالتهما، وإنها صح عندي جرحتهما، وقال نحوه ابن الماجشون وبان كنانة، فقتله لابن عبد السلام نقله هنا، وهو من فصل حكم الحاكم بعلمه في غير التعديل والتجريح.
وذكر الأيباري في كتاب الأخبار من شرح البرهان له ما نصه: لو شهد العدول عند الحاكم بأمر يعلم خلافه، هل يحرم عليه الحكم أو يجب؟ ذهب مالك إلى أنه يجب عليه في المشهور عنه إذا لم يعلم تعمدهم للكذب؛ لأنه فسق، وهو يحكم في التجريح بعلمه، وقال غيره: لا يحكم بما علم خلافه، وهو يحكم في التجريح في غيابه.
قال بعض محدثي شيوخ بلدنا الرحالين فيمن أدرك من شيوخ المشرق: منهم الأبياري على بن إسماعيل الصنهاجي، ثم التلكاتي من إبيار قرية بين مصر والإسكندرية تفقه على أبي الطاهر السلفي، وهو من أكابر أصحابه، كان فقيهاً مالكياً حافظاً بالمذهب، وانتهت إليه رئاسة الفقه والحديث، ورحل الناس إليه، له تصانيف