قال: إن كان مثل الساحل منا كتب القاضي لرجل يشهد عنده الشهود، فيكتب بشهادتهم، ولا يعني المشهود إليه بالقدوم، ولا ترى هذه ولاية للمشهود عنده.
قال: لا يستغني القاضي عن مثل هذا.
قيل له: كم بعد الساحل من هنا؟
قال ستون ميلاً فإن كان الشهود على بريد أو بريدين ويجدون الدواب والنفقة، لم يعطهم رب الحق دواب ولا نفقة؛ فإن فعلوه بطلت شهادتهم، فإن لم يجدوا نفقة ولا دواب، فلا بأس أن يكري لهم، وينفق عليهم.
ابن رشد: أصل هذه المسألة قوله تعالى: {وَلا يَابَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}[البقرة:٢٨٢]؛ لأن معناه عند أهل العلم جميعاً فيما قرب دون ما بعد، خصص عموم القرآن بالإجماع، فإن كان الشاهد بحيث يلزمه الإتيان لأداء شهادته؛ وجب علبه ركوب دابته وأكل طعامه، فإن أكل طعام المشهود له، وركب دابته سقطت شهادته؛ لأنه أرشى عليه بذلك، وخفف ذلك ابن حبيب إن كان ذلك قريباً، وكان أمراً خفيفاً، وينبغي أن يحمل على التفسير لقول سَحنون فالقريب الذي يلزمه الإتيان لأداء شهادته قسمان: قريب جداً تقل فيه النفقة ومؤنة الركوب هذا لا يضر الشاهد ركوب دابة المشهود له، وإن كانت له دابة، ولا أكل طعامه.
وغير قريب جداً تكثر فيه النفقة، ومؤنة الركوب، هذا تبطل فيه شهادته إن ركب دابة المشهود له وله دابة أو أكل طعامه عند سَحنون.
وقيل لا تبطل شهادته بذلك، وهو ظاهر نقل ابن حبيب عن مطرف، وأصبغ في الشاهد يشهد في الأرض النائية فيحتاج إلى تعيينها بالحيازة لها؛ أنه لا بأس أن يركب دابة المشهود له ويأكل طعامه، وهو الأظهر إذ ليس ما يصير إلى الشاهد من هذا ما لا يتمول، وإن كان الشاهد لا يقدر على النفقة، ولا على اكتراء دابة، وهو ممن يشق عليه الإتيان راجلاً لم تبطل شهادته إن أنفق له المشهود له أو اكترى له دابة، وقيل: تبطل شهادته بذلك إن كان مبرزاً في العدالة، قاله ابن كنانة.