ووقع في المدونة: فيمن قذف رجلاً عند الإمام، وهو غائب أنه يقيم عليه الحد إذا كان معه شهود.
فقال محمد: معناه إذا جاء المقذوف، وقام بحقه على أحد قولي مالك.
ولابن حبيب عن ابن القاسم وغيره: يقيمه عليه، وإن كان المقذوف غائباً، وهذا على قول مالك الآخر.
اللخمي: اختلف قول مالك في حد القذف، هل هو حق له أو للقذف؟ فجعله مرة للمقذوف، فأجاز عفوه عنه، وإن بلغ الإمام، ومرة جعله لله، فلم يجز عفوه، ولو قبل الإمام؛ إلا أن يريد ستراً، ولم يختلف أن عفوه جائز، إذا أراد ستراً، وهذا يحسن فيمن لم يعرف بذلك، وكان ذلك منه فلتة.
قال ابن الحاجب: وحد القذف من حقوق الآدميين على الأصح.
ثم قال: وعليهما تحليفه عليه.
قال ابن عبد السلام: أما عدم توجه هذه الدعوى على أنه حق لله فصحيح، وأما توجهها على كونه حقاً لآدمي، ففيه نظر إلا لو كان حقاً مالياً، وأما إذا كان حقاً بدنياً فلا يلزم.
وقد قال أشهب - وقدمناه -: إن القاتل إذا ادعي على ولي الدم أنه عفا عنه لم تتوجه عليه هذه الدعوى أي: لم يحلف لها.
قلت: في كلامه هذا وهم من وجهين:
الأول: أن القاعدة أنه لا يستشكل التخريج المطلق على أصل المذهب، إلا لمخالفته المشهور، لا لمخالفته غير المشهور، مع موافقته المشهور، واستشكاله هذا؛ إنما يتقرر على قول أشهب، وليس بمشهور المذهب، ولا سالم عن مخالفته المشهور، وبيانه أنه بناه على قول أشهب، بعدم توجه دعوى العفو عن الدم.
والمشهور صحة توجهها في كتاب الديات منها ما نصه: وإن أدعي القاتل أن ولي الدم عفا عنه، فله أن يستحلفه، فإن نكل ردت اليمين على القاتل، وإن أدعي القاتل بينه بعيده على العفو تلوم له الإمام.