وفي الموطأ قال مالك: من قال لفلان: كذا وكذا، ولفلان: كذا وكذا، وسمّى مالاً من ماله يزيد على ثلثه، فإن الورثة يجيزون في إعطاء أهل الوصايا وصاياهم، وأخذ جميع مال الميت، وفي إسلام ثلث الميت لهم بالغاً ما بلغ.
أبو عمر: هذه المسألة يدعوها أصحاب مالك مسألة خلع الثلث، خالفهم فيها أبو حنيفة والشافعي وغيرهما، وأنكروها على مالك وأجمعوا على أن الوصية تصح بالموت، وقبول الموصى له بعد الموت، فكيف تجوز المعاوضة بثلث لا يبلغ إلى معرفة حقيقة، ولا تجوز المعاوضة في المجهولات، وكيف يؤخذ من الموصى له ما ملكه بغير رضاه. وحجة مالك أن الثلث موضع الوصايا، فكان كما لو جنى عبد جناية فسيده مخير في فدائه بالأرش وإسلامه.
والذي أقول: إن ادعى الورثة أن الوصية أكثر من الثلث، كلفوا ببيان ذلك، فإن ثبت؛ أخذ منه الموصى له قدر الثلث، وكان شريكاً للورثة بذلك.
قلت: ففي تخيير الورثة في القطع له بمحمل الثلث في كل التركة أو في المعينات، ثالث: وجوب شركة الورثة بمحمله في كل التركة للروايتين، واختيار أبي عمر.
وسمع يحيى ابن القاسم: من أوصى بعبد ودار وحائط لثلاثة رجال، وضاق الثلث؛ فلكل واحد منابه في ذلك الشيء بعينه، ولو أوصى معهم لرجل بدنانير؛ قطع لهم بالثلث من كل التركة، ولم توضع وصاياهم في ذلك الشيء المعين؛ لأن الثلث لابد أن يباع أو بعضه لم أوصى له بالعين.
ابن رُشْد: لم يفرق في المدَوَّنة هذه التفرقة، فهذه التفرقة قول ثالث، ولو ترك من الناض ما يخرج منه العين الموصى به كما كان، لم يوص بعين؛ لأنه علل ذلك ببيع الثلث أو بعضه.
الباجي: إن أوصى بدنانير، وفي التركة دنانير وعروض ولا تخرج الوصية من ثلث العين، فقال أشهب: يأخذ ما وجد من العين وبيع ما بقي له، وقال ابن القاسم: يخير الورثة بين الإجازة والقطع بالثلث، ونحوه لعبد الملك، ونحوه في سمَاع أَصْبَغ.