قلت: لم يشر ابن محرز إلى أن الترك فعل بحاٍل، بل إلى كونه موجبًا للضمان فقط، ولا أعلم قولًا بأن الترك فعل، بل اختلف المذهب في حكم الحاكم إذا كان متعلقة تركًا وعدمًا، هل يوجب الحكم باحترامه كما إذا كان متعلقة فعلًا أو لا؟
وفرق بين كون الترك فعلًا وكون حكمه كذلك.
واختلف الأصوليون في صحة التعليل بالعدم الإضافي، وفي كون متعلق النهي فعل الضد أو مجرد الترك.
نقلا ابن التلمساني عن أكثر المعتزلة مع بعض أصحابنا، والغزالي مع أبي هاشي قائلً: ليس الترك فعلًا بحال؛ لأنه تعالى موصوف به أزلًا ولا فعل أولًا.
قال ابن التلمساني: تسمية الباري تاركًا إن أراد مجرد نفي الفعل فحق معنًى بعيد لفظًا؛ إذ لا يقال في العرف تارك لكذا إلا لما كان بفرضية الثبوت.
قلت: لم يتعقب في شرح الدينية إطلاق كونه في الأزل تاركًا، بل به أجاب عن إشكال العجز في كون القادر قادرًا على الفعل والترك، وقال ابن عبد السلام.
قال أبو هاشم: تركه الفعل غير مقدور، وإلا لزم أن يكون عدم الفعل في الأزل مستندًا إلى القدرة وهو غير لازم؛ لأن المقدور مشروط تقدم القصد عليه، الذي هو مشروط بعدم ذلك المقدور؛ لاستحالة القصد إلى تحصيل الحاصل.
قلت: المنقول عن أبي هاشم وما مر عنه لا أعرفه بهذا اللفظ، وقد يرجع إلى معنى ما تقدم، وقوله:(هو غير لازم) لا يصح، بل لزومه واضح؛ لأن دعوى أبي هاشم عنده ترك الفعل غير مقدور؛ فقوله:(وإلا لزم) معناه: إن لم يثبت لترك الفعل أنه غير مقدور ثبت له أنه مقدور، وإلا ارتفع عنه النقيضان، وكلما ثبت كونه مقدورًا كان الترك في الأزل مقدورًا ولا مقدور إلا لله.
أما استدلاله على عدم لزومه بقوله:(لأن المقدور ...) الخ. فحاصلة أن المقدور مشروط تقدم عدمه عليه، وهذا حق؛ يريد: كلما كان كذلك استحال كونه أزليًا؛ لأن شرط الأزلي عدم تقدم عدمه عليه، وهذا إنما هو إبطال للازم نقيض دعوى أبي هاشم، فهو تقرير لتمام دليله لا إبطال لملازمته كما زعم، فهو إبطال لدعوى الخصم بما