فيستحب تركُه، وعند المالكية: أنه غيرُ مستحب له، بل يُستحب فطرُه، ومذهب الحنابلة: أنه لا يستحب صومُه إلا للتمتُّع إذا لم يجدِ الهدي، والسنةُ أولى بالاتباع.
ويستحب أن يستكثر من أعمال الخير في يوم عرفة وسائرِ أيام العَشْر، ويواظب في الوقوف بعرفة على تلاوة القرآن والذكر والدعاء بآدابه، فتارة يهلل، وتارة يقرأ القرآن، وتارة يكبر، وتارة يُسَبِّح، وتارة يستغفر، ويجتهد في هذه العشية، فهذا اليوم أفضلُ أيام السنة للدعاء، وهو معظم الحج، ومقصودُه المعوَّل عليه، فينبغي أن يستفرغ الإنسان وُسْعَه في الدعاء، ويدعو منفرداً، وفي جماعة لنفسِه ولوالديه ولأقاربه ومشايخه وأصحابه وأحبابه وأصدقائه، ولمن أحبَّ من سائر المسلمين، وسائر من أحسنَ إليه بما أحبَّ، وليحذرْ كلَّ الحذر من التقصير في ذلك كله؛ فإن هذا اليوم لا يمكن تداركُه؛ بخلاف غيره، ولا يتكلف السجعَ في الدعاء؛ فإنه يشغل القلب، ويُذهب الانكسارَ والخضوع، والافتقارَ والمسكنةَ والذلةَ والخشوع، ولا بأس بأن يدعو بدعواتِ محفوظٍ معه، له أو لغيره.
والسنة: أن يخفض صوته بالدعاء، ويُكثر من الاستغفار والتلفُّظ بالتوبة من جميع المخالفات، مع الاعتقاد بالقلب، ويلحُّ في الدعاء ويكرره، ولا يستبطىء الإجابة، ويفتح دعاءه ويختمه بالحمد له تعالى، والثناءِ عليه، والصلاةِ والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وليحرصْ على أن يكون مستقبلَ القبلة، وعلى طهارة، قاله النووي في "الأذكار". وكان - صلى الله عليه وسلم - في دعائه رافعاً يديه إلى صدره كاستطعام المسكين.
وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه قال: خيرُ الدعاء دعاءُ يوم عرفة، وخيرُ ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له، له الملكُ وله الحمدُ، وهو على كل شيء قدير". وذكر من دعائه في الموقف:
اللهمَّ لك الحمدُ كالذي تقول، وخيراً مما نقول، اللهمَّ لك صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين، وإليك مآبي، ولك ربِّ تُراثي.