للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهو شهيد، ومن قاتل دون حرمته، فهو شهيد"، ويقع مثلُ ذلك مع أهل البدو كثيراً، لا سيّما في سفر المدينة المنورة في حال الإحرام.

٢٨ - فصل في حرم مكة المكرمة -زادها الله تعالى تعظيماً-

عن ابن عباس -رضي الله تعالى عنه-، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرام، لا يُعضد شجره وشوكه، ولا يُختلى خلاه، ولا يُنَفِّر صيدُه، ولا يلتقط لقطته إلا لمعرف"، قال العباس: إلا الإذخرَ، متفق عليه. قال ابن العربي: اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم، إلا أن الشافعي أجاز قطعَ الشوك من فروع الشجرة، وكذا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها، وعطاءٌ ومجاهدٌ وغيرهما أجازوا قطع الشوك؛ لكونه يؤدي بطبعه، فأشبه الفواسق، ومنعه الجمهور؛ لنهيه - صلى الله عليه وسلم -، قال الشوكاني: هذا القياس مصادم للنص، فهو فاسد الاعتبار، قال ابن قدامة: ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان، وانقطع من الشجر من غير صنع الآدمي، ولا بما يسقط من الورق، نص عليه أحمد، ولا يُعلم فيه اختلاف، انتهى.

وقال ابن تيمية: وله أن يقطع الشجر، لكن نفس الحرم لا يقطع شيئاً من شجره، وإن كان غير محرم، ولا من نباته إلا الإذخرَ، وأما ما غرسوه أو زرعوه، فهو لهم، وكذلك ما يبس من النبات يجوز أخذُه، انتهى. قال القرطبي: خص الفقهاء الشجر المنهي عنه بما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي، فأما ما ينبت بمعالجة آدمي، فاختلف فيه، فالجمهور على الجواز، وقال الشافعي: في الجميع الجزاء، ورجحه ابن قدامة، واختلفوا في جزاء ما قُطع من النوع الأول، فقال مالك: لا جزاء فيه، بل يأثم، وقال عطاء: يستغفر، وقال أبو حنيفة: بقيمة هدي.

وقال الشافعي: في العظيمة بقرة، وفيما دونها شاة، ومذهب الشافعية: أنه يجوز تسريح البهائم في حشيش الحرم للرعي، ويجوز أخذُه لعلف البهائم، ولا شيء فيه، ولو احتيج إلى شيء من نبات الحرم للدواء، جاز قطعه، ولا شيء عليه، ومذهب الحنفية: أنه يحرم قطع الحشيش الرطب وقلعُه، وأنه

<<  <   >  >>