بأن ذلك كائن لأبد الأبد، فما ندري ما تقدم على هذه الأحاديث، وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - على من خالفه، انتهى.
وبالجملة: فقد اختلفوا، هل الفسخ على جهة الوجوب أم الجواز؟ ومال ابن القيم إلى وجوبه، ورجحه، وبين بطلان ما احتج به المانعون، وأطال الكلام فيه في "الهدي"، فمن أحبَّ الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة، فليراجعه.
قال الشوكاني: وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفرادُ الحج، والحازمُ لدينه الواقفُ عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجه من الابتداء تمتعاً أو قِراناً مما هو مظنة البأس إلى ما لا بأس به، فإن وقع في ذلك، فالسنة أحقُّ بالاتباع، وإذا جاء نهرُ الله، بطل نهر مَعْقِل، انتهى.
وقد تمتعت أنا في حجي ولله الحمد.
[١٢ - فصل في مواقيت الحج]
عن ابن عباس -رضي الله عنه-، قال: وقّت رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - لأهل المدينة:"ذا الحليفة"، ولأهل الشام:"الجحفة"، ولأهل نجد:"قرن المنازل" ولأهل اليمن "يَلَمْلَم"، قال:"فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلن لمن كان يريد الحج والعمرة، فمن كان دونهم، فمهله من أهله وكذلك أهل، مكة يهلون منها" متفق عليه.
قلت: ذو الحليفة -مصغراً-: مكان معروف، بينه وبين المدينة ستة أميال، ووهم من قال: بينهما ميل واحد، وهو ابن الضباع، قال في "الفتح": بينه وبين مكة مئتا ميل غير ميلين، قاله ابن حزم، وقال غيره: بينهما عشرة مراحل، وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خرابٌ، وفيها بئر، يقال لها:"بئر علي"؛ لظنهم أن علياً قاتل الجن هناك، وهو كذب؛ فإن الجن لم يقاتلهم أحد من الصحابة، وعلي -عليه السلام- أرفعُ قدراً من أن يثبت الجن لقتاله، ولا فضيلة لهذه البئر ولا مذمة، ولا يستحب أن يرمى فيه حجر ولا غيره، وهذا الميقات أبعد المواقيت من مكة المكرمة، ويسمى: وادي العقيق.