وبالجملة: فقد اختلفت الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث، فمن أهل العلم من جمع بين الروايات؛ كالخطابي، والقاضي عياض، وابن المنذر، وبينه ابن حزم في حجة الوداع بياناً شافياً، ومهده المحب الطبري تمهيداً بالغاً يطول ذكره.
وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعاً حسناً، فقال ما حاصله: إن التمتع عند الصحابة يتناول القِران، فيحمل عليه رواية من روى أنه حج متمتعاً، وكل من روى الإفرادَ روى أنه حج تمتعاً وقراناً، فتعين الحمل على القِران، وأنه أفرد أعمال الحج، ثم فرغ منها وأتى بالعمرة، وعامة النقول عن الصحابة في صفة حجه - صلى الله عليه وسلم - ليست بمختلفة، وإنما اشتبهت على من لا يعرف مرادهم، انتهى.
ومن أهل العلم من صار إلى التعارض، فرجح نوعاً، وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه، وهي جوابات طويلة أكثرها متعسفة، وأورد كل منهم لما اختاره مرجِّحات أقواها وأولاها مرجحات القِران، فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره، والسنة أنه حج قِراناً، وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعاً.
قال الشوكاني: وهذان البحثان -أعني: تعيينَ ما حجه النبي - صلى الله عليه وسلم - من الأنواع، وبيان ما هو الأفضل منها -من المضائق ومواطن البسط، انتهى.
[١١ - فصل في إدخال العمرة على الحج وفسخه إليها]
وهو جائز بحديث نافع عن ابن عمر عند الشيخين، وفيه: هكذا صنع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإليه ذهب الجمهور، لكن بشرط أن يكون الإدخال قبل الشروع في وطواف العمرة، وقيل: إن كان قبل مضي أربعة أشواط، صحَّ، وهو قول الحنفية، وقيل: ولو بعد إتمام الطواف، وهو قول المالكية، وشدد أبو ثور فمنعه، قال أحمد، وطائفة من أهل الظاهر، ومالك، وأبو حنيفة، والشافعي: يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل أحد، وقال جمهور السلف والخلف: هذا الفسخ مختص بالصحابة في تلك السنة، ولا يجوز بعدها، وإنما أُمروا به ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج، واستدلوا بحديث أبي ذر، وحديث الحارث بن هلال عن أبيه.