أخره حتى بلغ ثلثه، حلق وأهدى، وعنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمن حلق رأسه:"لكل شعرة سقطت من رأسه نور يوم القيامة". واختلفوا في الحلق، هل هو نسك، أو تحليل محظور؟ فذهب إلى الأول الجمهور، وإلى الثاني عطاء، وأبو يوسف، وفي رواية عن أحمد، وبعض المالكية، والشافعي في رواية عنه ضعيفة. قال مالك: التفث في قوله تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ}[الحج: ٢٩]: الحِلاق، ولبس الثياب، وما يتبع ذلك، وقال: الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا: أن أحداً لا يحلق رأسه، ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هدياً إن كان معه، ولا يحل من شيء حرم عليه حتى يحل بمنى يوم النحر، وذلك أن الله تعالى قال:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة: ١٩٦]، وعليه أهل العلم، ومهما حلق بعد رمي الجمرة، فقد حصل له التحلل الأول باتفاق المسلمين، فيلبس الثياب، ويقلم الأظفار، ويتطيب، ويتزوج، ويصطاد، ولا يبقى عليه من المحظورات إلا النساء حتى يدخل مكة.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا رميتم الجمرة، فقد حلَّ لكم كل شيء إلا النساء" رواه أحمد عن ابن عباس، وألحق مالك بالنساء: الطيب، والرفث، والصيد، والحديث يردُّ عليهما، واستدلوا عليه بآثار بعض الصحابة، ولا يخفى أن الآثار لا تصلح لمعارضة الحديث الثابت.
[١٤ - فصل في ترتيب الرمي والنحر والحلق]
قال أهل العلم: ترتيب أعمال يوم النحر سنة، فلو قدم منها نسكاً على نسك، لا شيء عليه عند أكثر أهل العلم، وعليه الشافعي، وقال بعضهم: عليه دم، وتأولوا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حرج" على رفع الإثم دون الفدية، وعليه أبو حنيفة، وبه قال سعيد بن جبير، وقتادة، والحسن، والنخعي، وتعقب ذلك الحافظ في "الفتح"، وقال: إنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع، انتهى.
والأحاديث تدل على جواز تقديم بعض الأمور على بعض، وهي: الرمي، والحلق، والتقصير، والنحر، وطواف الإفاضة، وهو إجماع كما قال ابن قدامة، وفي حديث:"لا حرج" قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي، وفي رواية: عن