وفي "نيل الأوطار" بعد ذكر أحاديث الباب: يؤخذ من مجموع هذه الأحاديث: أنه يصح حج الصبي، ولا يجزيه عن حجة الإسلام إذا بلغ، وهذا هو الحق، فتعين المصير إليه جمعاً بين الأدلة، انتهى. قال عز بن جماعة: يُحْرِم الصبي المميزُ بإذن وليه باتفاق الأربعة، ولا يصح إحرامه بغير إذن وليه عند الشافعية، والحنابلة، ويصح عند المالكية، ويُحْرِم عن الصبي الذي لا يميز وليُّه، وإن كان محرِماً عن نفسه، ومتى صار الصبي محرماً بإحرامه أو إحرام وليه، فعل الصبي ما قدر عليه، وفعل به الولي ما عجز عنه باتفاق الأربعة، والرقيق ينعقد إحرامُه بإذن سيده، وبغير إذنه عند الشافعية، والمالكية، والحنابلة، وعند الحنفية أنه لا ينعقد إحرامه إلا بإذن سيده، انتهى.
وهكذا يصح الحج عن الغير، سواء كان حياً أو ميتاً؛ للأحاديث الواردة في ذلك في الصحاح والسنن، وهي كثيرة، منها: حديث ابن عباس، وفيه: قالت: إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخاً كبيراً لا يثبت على الراحلة، أفأحجُّ عنه؟ قال:"نعم"، متفق عليه، واللفظ للبخاري وسأله رجل، فقال: إن أبي مات ولم يحج، أفأحج عنه؟ فقال:"أرأيتَ إن كان على أبيك دَيْنٌ أكنت قاضيه؟ "، قال: نعم، قال:"فدين الله أحق"، رواه أحمد، ونحو ذلك، وهي تدل على أن السؤال والجواب إنما كان عن القبول والصحة، لا عن الوجوب، فافهم.
[٨ - فصل في أنواع الحج]
وهي ثلاث:
١ - الإفراد: وهو للآفاقي أن يحرم من الميقات، فإن دخل مكة قبل الوقوف، طاف للقدوم، ورَمَلَ فيه، وسعى بين الصفا والمروة، ثم بقي على إحرامه حتى يقوم بعرفة، ويرمي ويحلق ويطوف، ولا رمل ولا سعى حينئذ، ولحاضرِ مكة أن يُحرِم منها، ويخرج إلى عرفات، ويكون فيها عشيةَ عرفة، ثم يرجع منها بعد غروب الشمس، ويبيت بمزدلفة، ويدفع منها قبل شروق الشمس، فيأتي منى، ويرمي العقبة الكبرى، ويُهدي إن كان معه، ويحلق أو يقصر، ثم يطوف للإفاضة في أيام منى، ويسعى بين الصفا والمروة، ولا خلاف في جوازه، وليس على المفرد دم إلا أن يتطوع.