أخره إلى بعد أيام التشريق، وأتى به بعدها، ففيه نزاع، ولا شيء عليه عند الجمهور، وقال أبو حنيفة ومالك: إذا تطاول، لزم معه دم؛ انتهى.
وإذا فرغ الحاج من هذا الطواف، فقد حل له جميع ما كان حراماً عليه بالاتفاق، ولم يبق إلا رميُ أيام التشريق، والمبيتُ بمنى، وهي واجبات بعد زوالى الإحرام على سبيل الإتباع للحج، وإذا فرغ من طواف الإفاضة، فينبغي له أن يشرب من سقاية العباس؛ لما صح: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بعد الإفاضة وهم يسقون، فناولوه دلواً، فشرب منه قائماً، وقال:"لولا أن يغلبكم الناسُ، لنزلتُ فسقيتُ معكم"، فقيل إنه نسخ للنهي عن الشرب قائماً، وقيل: إنه بيان أن النهي للكراهة، وقيل: بل فعل ذلك للحاجة. ويروى أن الدعاء يستجاب عند زمزم، واستحب الشافعية: أن يعود بعد طواف الإفاضة إلى منى قبل صلاة الظهر، وهو قول الحنابلة، ومقتضى كلام المالكية، والحنفية: إنه إذا حلق، دخل مكة من يومه ذلك إن تيسر، وهو الأفضل، وإنه إذا فرغ من طواف الإفاضة، رجع إلى منى.
[١٦ - فصل في المبيت بمنى، وما يفعل في أيامها]
عن عائشة، قالت: أفاض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من آخر يوم النحر حتى صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات، يكبر مع كل حصاة، ويقف عند الأولى والثانية، فيطيل القيام، ويتضرع، ويرمي الثالثة، ولا يقف عندها، رواه أحمد، وأبو داود. وفي الباب أحاديث بألفاظ استدل بها الجمهور على أن المبيت بمنى واجب، وأنه من جملة مناسك الحج.
وقد اختُلف في وجوب الدم بتركه، فقيل: يجب عن كل ليلة دمٌ، قاله المالكية، وقيل: صدقة بدرهم، وقيل: إطعام، وعن الثلاث دم، وهو المروي عن الشافعي، ورواية عن أحمد، وفي رواية عنه، وعن الحنفية: لا شيء عليه، ولا يصح الرمي في هذه الأيام إلا بعد الزوال باتفاق الأربعة، والروايات تدل على أنه لا يجزي رميُ الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس، بل وقته