وقد شاهدت في سفري هذا عجائب، ورأيت فيه عدة مصائب، واختبرت الناس، وميزت السفهاء من الأكياس، ووقفت على رسوم القوم وبدعهم ومحدثاتهم، وانهماكهم في تحسين الملابس والمطاعم والمناكح والمساكن، وقصر هممهم على ذلك، وعدم رفع رؤوسهم إلى السنن، وما مات منها، وضعف الإسلام، وهذا شين لأهل الدين، لا سيما أهل مكة والمدينة الذين هم في خير بقاع الأرض، وهم قدوة المسلمين، خصوصاً الأئمة منهم.
وقد رأيت منهم الإسراف المنهي عنه: في طول الذيول والثياب وغيرها، حتى رأيت العمائم كالأبراج، والكمائم كالأخراج، وبِدَعاً لا تُحصى، ومحدَثات لا تستقصى، فرحم الله امرأً اجتنب عن ذلك، وصان نفسه عما هنالك، ونهى القوم عن هذه المناهي والمنكرات، وجمعهم على التمسك بالسنة والكتاب، وذكر مقامه ومقامهم بين يدي رب الأرباب، وخاف الله في كل ما يأتي به ويذر، في الحضر والسفر، والحياة والممات وكل الأحوال.
وفي اثنين وعشرين يوماً وصلنا من "جدة" إلى "ممبي"، وأقمنا بها بكثرة المطر أياماً، ووصلنا إلى محط الرحال "بهوبال" في أوائل شهر جمادى الآخر على البابور من تلك المنازل التي مررنا بها أولاً.
وكانت مدة الذهاب والإياب ثمانية أشهر، والحمد لله على ذلك، وكان يوم الذهاب من "بهوبال" ويوم الرجوع إليها يوماً واحداً، وهو يوم السبت، فكأن هذا السفر المبارك ما كان إلا يوماً واحداً.
ونحن الآن مقيمون بـ"بهوبال" إلى ما شاء الله المتعال، والرجاء من ربنا ذي الجلال تيسر المقام على الدوام، إلى وقت الحمام، ببيت الله الحرام، أو بمدينة خير الأنام، عليه الصلاة والسلام، وبالله التوفيق، وهو الهادي لأقوم طريق.