١٠ - وكتاب التلخيص، إلى غير ذلك من كتب الحديث والعربية والتواريخ، واستكتب بعض الرسائل المختصرة والمطولة بيدي.
وطفت للوداع في أوائل جمادى الأولى، وسرت إلى "جدة"، وركبت المركب المسمى بـ"فيض الباري"، وكان يسع تسع مئة [٩٠٠] نفس سوى الأحمال والأثقال، ومررت بساحل "الحديدة" في هذا الرجوع أيضاً، وأقام المركب هناك ثلاثة أيام لبعض الحوائج، ثم سار إلى "ممبىء".
وكان الزمان زمانَ حر شديد، وكان الريح سموماً، وماء البحر ناراً، فمرض أهل المركب إلا من عصمه الله، ومات بعض القوم من شدة الحر إلى أن طوى المركب نصف الطريق، ومر من عدن، فجاء البرد والمطر، وذهب المرض والحر، فلما آن المركب بساحل "ممبي": ضل المعلم الطريق لأجل غيبوبة الشمس وتراكم السحاب، وكان من قوم النصارى، وصار ركاب السفينة لذلك حيارى.
وكان الموسم موسم طوفان وتلاطم البحر والأمواج، فكسرت حجرات المركب التي كانت فوق التتق من صدمات الموج، وتحركت خشبات المركب، واستيقن أهله بمجيء الموت، وصارت السفينة في البحر كريشة في الفلاة، وضاقت الأنفس من حلاوة الحياة، حتى جاءت رحمة الله تعالى، وهو أرحم الراحمين.
فأخرجت الشمس من مطلعها، وصح حساب الرصد لمعلم المركب بطلوعها، وأجرى السفينة على سواء الطريق، وجاء مركب البريد من نحو ممبىء، فلحق بنا وسار بهذا المركب حتى أوصله إلى ساحل النجاة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.