للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٢ - فصل في آداب الزيارة وما يتصل بها]

قال شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني -رحمه الله تعالى-: إذا دخل المدينة قبل الحج أو بعده، فإنه يأتي مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويصلي فيه؛ فإن الصلاة فيه خيرٌ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلا إليه، وإلى المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في "الصحيحين من حديث أبي هريرة، وأبي سعيد، وهو مروي من طرق أخرى، ومسجده - صلى الله عليه وسلم - كان أصغر مما هو اليوم، وكذا المسجد الحرام، لكن زاد فيه الخلفاء الراشدون ومَنْ بعدهم، وحكمُ الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام، ثم يسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه؛ فإنه قد قال: "ما من رجل يسلِّم عليَّ، إلا رد الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام" رواه أبو داود، وغيره.

وكان عبد الله بن عمر إذا دخل المسجد يقول: السلامُ عليك يا رسولَ الله، السلامُ عليك يا أبا بكر، السلامُ عليك يا أبتِ، ثم ينصرف، هكذا كان الصحابة يسلِّمون عليه، وإذا قال في سلامه: السلامُ عليك يا نبيَّ الله، يا خيرةَ الله من خلقه، يا أكرمَ الخلقِ على ربه، يا إمامَ المتقين، فهذا كلُّه من صفاته، بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم -، وإذا صلى عليه مع السلام، فهذا مما أمر به، ويسلم عليهم مستقبلَ الحجرة، مستدبر القبلة عندَ أكثر العلماء؛ كمالك، والشافعي، وأحمد، وأما أَبو حنيفة، فإنه كان يستقبل القبلة، فمن أصحابه من قال: يستدبر الحجرة، ومنهم من قال: يجعلها عن يساره.

واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرةَ ولا يُقبلها، ولا يطوف بها، ولا يصلي إليها، ولا يدعو هناك مستقبلاً للحجرة، فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالكٌ من أعظم الأئمة كراهةً لذلك، والحكاية المروية عنه: أنه أمر المنصور أن يستقبل الحجرة وقتَ الدعاء كذبٌ على مالك. ولا يقف عند القبر للدعاء لنفسه، فإن هذا بدعة، ولم يكن أحد من الصحابة يقف عنده يدعو لنفسه، ولكن كانوا يستقبلون القبلة، ويدعون في مسجده - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>